يجب أن نجعل الاختيار للأخلاق مثل صياغة العمل الفني، نصوغ حياتنا كما لو كانت تحفة فنية.
ثم يقول:
يصف الوجوديون الرجل الجبان بأنه هو المسئول عن جبنه، وهو ليس جبانا لأن له قلبا أو رئة أو مخا، ليس جبانا لأن له نظاما فسيولوجيا معينا؛ وإنما هو جبان لأنه بنى نفسه على هذه الصورة بأعماله، وأيضا «الجبان قد صاغ نفسه بالجبن، والبطل قد صاغ نفسه بالبطولة.
هو مذهب انفرادي ممعن في الانفرادية، كأن المجتمع ليس مسئولا عن الفرد، وأن الفرد ليس مسئولا عن المجتمع. وما دام الشأن كذلك فأنت مضطر إلى أن تقول إنك حر، وإنك تختار، وإنك تجمع حياتك، وإنك مسئول عن كل ميزاتك أو نقائصك.
اعتبر كلماته هذه: «أنا محتاج إلى أن أعين القيم الأخلاقية، وإذن يجب أن نعتبر الأشياء كما هي في الواقع، وإذا قلنا إننا نخترع هذه القيم الأخلاقية فمعنى هذا أنه ليس للحياة أولا معنى؛ أي قبل أن تولد أنت لم تكن الحياة شيئا له معنى، والقيمة الأخلاقية ليست شيئا أكثر من هذا المعنى الذي تكسبه أنت للحياة. وإذن تجد أنه من الممكن إيجاد مجتمع بشري على هذا الأساس.»
أصحيح هذا؟ هل يمكن إيجاد مجتمع بشري إذا كنا نفرض قبل كل شيء أن كل إنسان حر في أن يخترع أخلاقه بنفسه لنفسه؟
إن هذا إمعان في الانفرادية التي قد تنتهي بالفوضى الاجتماعية والأخلاقية. •••
إني عندما أتأمل الوجودية التي طغت على الباريسيين هذه الأيام، أراني أفتقد فيها الفلسفة فلا أجدها، وأنتهي إلى أنها «مذهب» ولكنها مذهب ضار.
ذلك أن الفلسفة تمتاز بأنها يمكن البرهنة على صحة قواعدها، ولكن الوجودية تلقي بقواعدها كما لو كانت عقائد دينية، وإن خلت من الأساس للأديان الكبرى من حيث الإيمان بالله. أما أنها مذهب ضار فذلك لإسرافها في الفردية، فالإنسان عند الوجوديين مسئول أمام نفسه ولنفسه فقط، وليس مسئولا أمام المجتمع ولا أمام الله.
ثم هي مع ذلك تفرض للإنسان حرية الاختيار، كأن المجتمع بعاداته ولغته، وسني الطفولة التي تتكون فيها المركبات وتكاد تتجمد، والوسط الثقافي والاجتماعي، ووطأة الحوادث وتنوعها، كل هذا لا يؤثر في تكوين الفرد أو توجيهه؛ إذ هو حر في الاختيار. وينسى سارتر أنه اختيار الضرورة، اختيار الجبر.
अज्ञात पृष्ठ