معارفنا عن الأشياء مؤقتة؛ إذ هي في تغير كما أن عقولنا التي نعرف بها في تغير. (4)
الذكاء البشري اجتماعي؛ أي إننا ننبعث بنظرياتنا وعقائدنا وأفكارنا بقوة الإيحاء الاجتماعي الذي ينغرس في نفوسنا في المجتمع الذي نعيش فيه.
هذا هو ديوي الفيلسوف فما هو ديوي المربي؟ إن شهرته في التربية أكبر من شهرته في الفلسفة، وقد دعته تركيا وروسيا والصين كي ينظم لها وسائل التعليم، وإليه تعزى هذه الأساليب الجديدة في التعليم في الولايات المتحدة نفسها.
التربية عند ديوي هي النمو الذهني، ولكن لما كان الذهن في كل حال اجتماعيا، فإن المدرسة يجب أن تكون اجتماعية، فإذا كان المجتمع الأمريكي مثلا يتنقل أفراده بالسيارة، فإن التلميذ يجب أن يتعلم قيادة السيارات، وإذن يجب على المدرسة أن تخلق لتلاميذها اختبارات اجتماعية، بحيث يختبرون ويحاولون حل المشكلات كما لو كانوا كبارا على اهتمام يقظ بكل ما يحدث في بلادهم بل في الدنيا أيضا.
المدرسة عند ديوي هي جنين المجتمع، وحين تنطوي المدرسة على نفسها، وتعلم النظريات وتلقي الدروس التي لا علاقة لها بالمجتمع العصري، حين تفعل ذلك، تعود بالضرر على تلاميذها؛ ولهذا يجب ألا تنقطع بتاتا عن الاتصال بالمجتمع.
وقيمة المدرسة عند ديوي تقاس بدرجة ما تخلقه في التلميذ من الرغبة في النمو، وهذا النمو هو في النهاية تجدد ذاتي، وهو دءوب في التوسع الذهني بالاستطلاع والاختبار والدرس.
وكان أول مؤلفاته كتاب «المدرسة والمجتمع» في عام 1899 واسم الكتاب يدل القارئ على الاتجاه الذي اتخذه ديوي في فلسفته الاجتماعية. في هذا الكتاب يصف النشاط الذهني بأنه لا يختلف عن أي نشاط آخر نؤديه بعضلاتنا؛ أي إنه تفاعل مع الوسط، هو أقرب الأشياء إلى الرؤية، فإننا حين نرى شيئا بعيوننا لا نحس أن الرؤية هي شيء داخلي فينا، إنما هي تفاعل بيننا وبين هذا الشيء؛ أي إنها حدث قد حدث بيننا وبين هذا الشيء. وكذلك الشأن في التفكير فإننا لا نفكر إلا لأننا قد التفتنا إلى شيء خارج عنا أو اهتممنا به؛ وإذن ليست التربية ادخار المعارف، وإنما هي غرس العادات الحسنة في التفكير حتى نصل إلى أحسن النتائج، وأحسن النتائج هي استخدام المعارف كما لو كانت آلات لخدمة البشر؛ أي المجتمع.
والهدف من التربية هو إيجاد التلاؤم بين الفرد والمجتمع. وليست الأخلاق عند ديوي شيئا مطلقا، وليست هناك أخلاق مثلى دائمة، وإنما هناك تغيرات اجتماعية تؤدي إلى تغيرات أخلاقية، وما دامت غايتنا هي سعادة العيش، فإذن يجب أن نجعل الملاءمة بين الفرد والمجتمع غاية التربية.
ثم ينتهي بأن الأخلاق المثلى في مجتمع ما ليست سوى الأخلاق العلمية، كما أن خير المجتمعات هو المجتمع العلمي. وبالطبع هنا شطط؛ فإن ما يزعمه ديوي من أن غاية التربية يجب أن تكون الملاءمة بين المجتمع والفرد قد يحملنا على القول بأن هذه الملاءمة تقتضينا أن نعيش فيه، حتى ولو كان ظالما، ورجل الثورة الذي يحتاج إليه رقي الأمم من وقت لآخر هو رجل لا يتلاءم مع المجتمع، ومن هنا ثورته، وهي فضيلته.
والواقع أن ديوي رأى قبل أن يموت شطط هذا الاندفاع في التساوق مع المجتمع، فقد عقد مؤتمر أمريكي بلغ أعضاؤه نحو 600 من خريجي الجامعات وأساتذتها، وعرض هذا الاقتراح على المؤتمرين:
अज्ञात पृष्ठ