ونتعلم منه أننا يجب أن نؤلف شخصيتنا قبل أن نؤلف أي شيء آخر ليس هناك ما هو أهم منها عندنا؛ وذلك بأن نطلب الاختبارات، ولو كان الخطر فيها.
ونتعلم منه أن التخصص ضرر، وأن الآفاق للثقافة لا حد لها، فيجب أن ندرس الأدب كما ندرس الكيمياء والقنبلة الذرية، بل كما ندرس جنون الشيزوفرانيا وقوانين الوراثة، ونتعلم منه أننا يجب أن نشتري الاختبارات إذا لم تصادفنا، فنقرأ ونسيح ونحب ونمارس السياسة ونختلط بالمجتمع ونشتغل بترقيته.
ونتعلم منه أننا - حتى في الشيخوخة - يجب أن نستبقي شباب الذهن والعاطفة، ولن يكون هذا إلا بهيئة سابقة.
وأخيرا نتعلم منه أننا أبناء هذا الوطن الكبير: العالم. •••
قلنا إننا لا نكسب من جيته معارف ، وإنما ننتفع به من حيث أسلوب حياته: حياة فلسفية تتغذى بالثقافة وتهدف إلى تربية الشخصية بالنمو الذي يستحيل إلى نضج.
ولكننا مع ذلك نجد أن لجيته عبرته ودلالته في الموقف الثقافي الأوروبي بين عامي 1800 و 1829.
ذلك أن المذهب الانفصالي كان لا يزال قائما بين النفس والجسم أو العقل والمادة، وداعية هذا المذهب الثنوي هو أفلاطون الذي فصل بين الفكرة والمادة. وقد أيدت العقائد الدينية هذا الانفصال. ولكن جيته رأى غير ذلك، بل ربما كان هو أول أديب دعا إلى الوحدة الوجودية في أوروبا؛ أي إن الجماد والنبات والحيوان والإنسان والمادة والعقل كلهم شيء واحد، وأن الإنسان ليس مخلوقا منفصلا، وإنما هو تعبير خاص للطبيعة العامة التي في الجماد والحيوان والنبات، وأن الحقيقة الأولى في هذا العالم هي التغير والاستحالة، فالطبيعة دائبة في التغير والتشكل بأشكال مختلفة، وأن الفكر البشري قد نبع من الطينة التي نبضت بالحياة الأولى.
وقد قال ذات مرة إن أعظم ما يصبوا إليه أن يهتدي إلى قانون شامل عام تنتظم به التغيرات والاستحالات في الجماد والنبات والحيوان والإنسان.
ولو كان جيته يعيش في عصرنا لعبر عن هذه الشهوة بأنه ينشد التفسير الذري للجماد والحياة والفكر البشري والماء السائل.
وهذا هو ما ننشده جميعا ونوشك أن نهتدي إليه.
अज्ञात पृष्ठ