تيقظت ولادة بنت المستكفي في هذا الصباح كما يتفتح الزهر الوسنان بلله الندى، وداعب أوراقه النسيم، فأسرعت إليها وصيفتها مهجة القرطبية تحييها وتدللها في محبة وشغف، كما تدلل الأم طفلتها اللعوب.
وكانت ولادة في الثامنة عشرة، رائعة الطلعة، فاتنة مباهر الحسن. وجه لم تشرق الشمس على أنضر منه ولا أصبح، وقسمات تأنق في صنعها الجمال، وقوام لو أدرك عهده الإغريق لجعلوا منه تمثالا لكل ما يتخيلونه من رشاقة ولدانة
2
واتساق خلق. وكان أجمل ما فيها تلك النظرات الساحرة التي تنفذ إلى كل قلب، وذلك الشمم العبشمي الذي تراه فتحبه وتهابه، والذي يوحي إليك أن الجمال معنى من المعاني التي يعجز البيان عن وصفها ببيان.
وولادة - إلى كل هذا - أديبة شاعرة، يغشى ندوتها كبار الأدباء والشعراء فيرون أجمل ما يرى، ويسمعون أحسن ما يسمع.
قامت ولادة من سريرها فنالت ما تحب من طعام، وبعد لأي همت بارتداء ثيابها، فأعدت لها مهجة ثوبا من الحرير البنفسجي الموشى بالذهب، أتقن نسجه، وأحكم تفصيله، فوقفت أمام مرآتها، وقد لاح في وجهها شيء من الدهش، كأنها كانت تبحث لها عن مثيلة بقرطبة فوجدتها في المرآة! وهنا قالت مهجة وهي تنظر إلى صاحبتها في إعجاب وزهو: لو علم ابن جهور بأن مناسج الحرير بالمرية ستخرج مثل هذا الثوب في فتنته وإغرائه، لمنع ورود كل ثوب مثله إلى قرطبة.
فتهانفت ولادة وقالت: إن هذا الرجل عبقري في الرياء يا مهجة، وهو لا يظهر التحرج والزهد إلا تملقا للفقهاء الذين لو أرادوا لأطاحوه عن عرشه في لمحة عين. - إنه يا سيدتي أمر بمنع شرب الخمر، وكان الاحتفاء بكسر دنانها عظيما في ميدان الجامع الكبير، وقد مدحه شاعر قرطبة أحمد ابن زيدون بقصيدة رائعة جاء فيها:
أباح حمى الخمر الخبيثة حائطا
حمى الدين من أن يستباح له حد
فطوق باستئصالها المصرمنة
अज्ञात पृष्ठ