وسالت بأعناق مطايا تلك الأحاديث البطاح ...
===
فى حال كونها مثل طيران الرياح، أو على المفعولية المطلقة على حذف الموصوف والصفة أى طارت طيرانا مثل طيران الرياح، فالحاصل: أن أدراج الرياح يجوز فيه الأوجه الثلاثة:
النصب على الظرفية، والحالية، والمفعولية المطلقة، لكن فى الأول شىء وهو أن اسم المكان لا ينصب على الظرفية باطراد إلا إذا كان مبهما، وإلا جرّ ب" فى"، وأما قوله:
كما عسل الطّريق الثّعلب (١)
أى: اضطرب فى الطريق الثعلب، فضرورة.
(قوله: وسالت) أى: سارت، شبه السير بالسيلان، واستعير له اسمه، واشتق من السيلان سالت بمعنى سارت، وإنما عبر ب" سالت" دون سارت إشارة إلى أن السير لقوته بمثابة سيل الماء، و(البطاح) جمع أبطح على غير قياس، والقياس أباطح، والأبطح هو المحل المتسع فيه دقاق الحصى، وهو فاعل لسالت، وإسناد السيل لها مجاز عقلى، وأصل التركيب: وسارت المطايا بتلك الأحاديث فى البطاح؛ لأن السير حقه أن يسند للمطايا، فعدل عن التعبير بالسير إلى التعبير بالسيل لما قلنا من الإشارة، وعدل عن إسناد السير إلى المطايا إلى إسناده للأباطح مجازا عقليّا للمبالغة، كأنه من قوة السير وسرعته سارت أمكنته التى هى الأباطح.
و(قوله: بأعناق) أى ملتبسا ذلك السير بالأعناق وإنما جعل سيلانها ملتبسا بالأعناق؛ لأن السرعة والبطء فى سير المطايا يظهران غالبا فيها وسائر الأجزاء تستند إليها فى الحركة، وتتبعها فى النقل والخفة، والمطايا فى الأصل الإبل، استعير لعلماء هذا الفن بجامع الحمل فى كل، فكما أن المطايا تحمل الأثقال كذلك العلماء تحمل العلم، والأعناق ترشيح، والمراد بالأحاديث أسرار هذا الفن، والبطائح هنا متجوز به عن أمكنة العلماء كالمدارس؛ وذلك لأنه فى الأصل اسم للمكان المتسع فيه دقاق الحصى أريد به مطلق موضع ثم أريد به موضع العلماء على طريق المجاز المرسل، وحينئذ فمعنى التركيب: وسارت المدارس ملتبسة بأعناق
_________
(١) بعض بيت من الكامل، وهو لساعدة بن جؤية الهذلى فى خزانة الأدب ٣/ ٨٣، ٨٦، وشرح أشعار الهذليين ص ١١٢٠، وشرح التصريح ١/ ٣١٢، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٥٥.
وتمام البيت:
لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه ... فيه كما عسل الطّريق الثّعلب
1 / 45