بأن مستحسن الطباع بأسرها، ومقبول الأسماع عن آخرها، أمر لا تسعه ...
===
فكيف يجعل عدم القدرة على ذلك علة للامتناع؟ ويجاب بأن فى الكلام حذفا، والأصل: علما منى بأن الاختصار الذى طلبوه إذا فعلته لا يسلم من طعن الناس فيه، ولا يخلص من اعتراضهم عليه؛ لأن الإتيان بالأمر الذى تستحسنه كل الطباع أمر لا تسعه قدرتى؛ فلذا آثرت الراحة.
(قوله: بأن مستحسن) أى بأن الإتيان بالأمر الذى تستحسنه ذوو الطباع.
(قوله: بأسرها) أى: بجميعها، والأسر فى الأصل: القيد الذى يشدّ به الأسير، يقال: ذهب الأسير بأسره أى: بقيده، ومن لوازم ذلك ذهابه بجميعه، وذلك اللازم مراد هنا، فقد أطلق اسم الملزوم وهو الأسر، وأريد اللازم وهو الجميع، وهذا تأكيد لما استفيد من (أل) الاستغراقية.
(قوله: ومقبول الأسماع) أى: ولعلمى بأن الإتيان بالأمر الذى تقبله الأسماع، أى: ذوو الأسماع.
(قوله: عن آخرها) أى: إلى آخرها أى من أولها إلى آخرها ف" عن" بمعنى" إلى" الغائية، وفى الكلام حذف المبتدأ وهو تأكيد؛ لأن" أل" الاستغراقية فى" الأسماع" تفيد ذلك الشمول، ويصح جعل" عن" باقية على حالها، وهى متعلقة بمحذوف أى: قبولا ناشئا عن آخرها، وإذا نشأ ذلك القبول عن الآخر كان ناشئا عن غيره بالأولى، فاندفع ما يقال: إن نشأة القبول عن آخر الأسماع لا تشمل جميع الأسماع، إذ قد بقى الأول، وما بين الأول والآخر وهو الوسط، فلا يصح قوله بعد ذلك: (أمر لا تسعه ...) إلخ، وأجاب عنه بعضهم بجوابين غير ما مر: الأول منهما: أن ذلك التعبير يستلزم عرفا نشأة القبول عن الجميع، باعتبار أنه أسند القبول أولا إلى" الأسماع" المحلى ب (أل) الاستغراقية، ثم قيده بالصدور عن الآخر على سبيل التوكيد؛ دفعا لتوهم عدم الوصول إليه.
والثانى منهما: أن فى العبارة حذفا، والمعنى: عن آخرها إلى أولها. وفى هذا الجواب الثانى نظر من وجهين: الأول: أن" إلى" للانتهاء؛ فالمناسب دخولها على" آخر" لا على" الأول". الثانى: أن" إلى" إنما تقابل ب" من" لا ب" عن"، وأجيب عن الأول: بأن فى الكلام قلبا، والأصل: عن أولها إلى آخرها، وعن الثانى: بأن" عن" تأتى بمعنى" من"، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي
1 / 42