على ذلك الكتاب.
وكنت أضرب عن هذا الخطب صفحا، وأطوى دون مرامهم كشحا؛ علما منى ...
===
(قوله: على ذلك الكتاب) متعلق بمدوا و" على" بمعنى" إلى" وأتى بإشارة البعيد إشارة لبعد مرتبة ذلك الكتاب عنهم، وإنما عبر ب" على" دون" إلى" للطيفة وهى أن" على" تستعمل فعلا ماضيا بمعنى ارتفع، ففى التعبير بها إشارة إلى أنهم حين مدوا الأعناق ارتفع عنهم فلم يصلوا إليه، ويصح الوقف على قوله: (مدوا أعناق المسخ، والابتداء بقوله: (علا ذلك الكتاب) أى: ارتفع ذلك الكتاب عن مد أعناقهم لأجل مسخهم، فهو تحصين لكتابه.
(قوله: وكنت أضرب) الواو للحال، والضرب يطلق بمعنى الصرف والإمساك، أى: كنت أمسك نفسي، وأصرفها عن هذا الخطب العظيم، وهو اختصار الشرح، وبمعنى الإعراض أى: أعرض عن هذا الأمر العظيم، فالفعل على الأول متعدّ حذف مفعوله، وعلى الثانى لازم، وعلى كل ف" صفحا" مفعول مطلق، وقيل مفعول لأجله. فإن قلت: إن الصفح بمعنى الإعراض، وهو عين الضرب بمعنى الصرف؛ فيلزم تعليل الشىء بنفسه، وهو لا يصح؟ والجواب: أن العلة أثر الصفح ولازمه، وهو جلب الراحة من القيل والقال اللذين لا يخلو منهما مؤلّف ولو أبدع فى المقال، فيكون من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم.
(قوله: وأطوى دون مرامهم كشحا) الطىّ ضد النشر، ودون مرامهم بمعنى:
قدام مطلوبهم أى: قبل وصولهم إليه، والكشح: ما بين أسفل الخاصرة إلى آخر عظم الجنب، فالكشح هو الوسط، وطى الكشح عبارة عن لىّ الجنب، ومن لوازمه عدم تبليغ السائل مقصوده، فأطلق هنا وأريد لازمه، والمعنى: ولا أبلغهم مقصودهم من اختصار ذلك الشرح، ويحتمل أن يكون الكلام تمثيلا حيث شبه حاله من الامتناع من الشيء المطلوب بحال من طوى كشحه معرضا عن شخص مثلا، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه.
(قوله: علما منى) علة لقوله: (أضرب وأطوى) على التنازع، واعترض هذا التعليل بأنهم لم يسألوه أن يكون ما يأتى به من اختصار المطول تستحسنه كل الطباع،
1 / 41