وأن المنتحلين قد قلبوا أحداق الأخذ والانتهاب، ومدّوا أعناق المسخ
===
(قوله: وأن المنتحلين) جمع منتحل وهو الآخذ لكلام الغير وينسبه لنفسه تصريحا أو تلويحا، أى: وأن الآخذين لكلام غيرهم مظهرين أنه لهم.
(قوله: قلبوا أحداق (١) الأخذ) الإضافة لأدنى ملابسة، أى: قلبوا أحداقهم الملابس تقلّبها للأخذ والانتهاب؛ لأنّ الشأن أن الإنسان وقت أخذ كلام غيره يقلب أحداقه، أو شبه الأخذ والانتهاب بشخص ظالم، بجامع القبح فى كلّ، على طريق الاستعارة المكنية، وإثبات الأحداق تخييل، والتقليب ترشيح، وهذا كناية عن شدة عنايتهم باختصار المطول ونسبته لأنفسهم، والانتهاب هو الأخذ قهرا، فهو من عطف الخاص على العام، لكن الشارح قصد به التفسير فهو تفسير مراد.
(قوله: ومدوا أعناق المسخ) مدّ العنق: تطويله، أي: وطولوا أعناقهم الملابس مدّها للمسخ، فالإضافة لأدنى ملابسة، وهذا كناية عن كمال الميل لاختصارهم له.
أو فى الكلام استعارة وتقريرها أن يقال: شبه أخذ معانى المطول مع التعبير عنها بعبارة أخرى بالمسخ الذى هو تبديل صورة بصورة أدنى من الأولى، ثم استعمل اسم المشبه به وهو لفظ المسخ فى المشبه على طريق الاستعارة المصرحة، ثم بعد ذلك شبه الأخذ المذكور أيضا بإنسان مفسد تشبيها مضمرا فى النفس على طريق الاستعارة بالكناية، وإثبات الأعناق تخييل، والمد ترشيح، فقد اجتمعت المصرحة والمكنية والتخييلية، على حد ما قيل فى قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ (٢)، ولا يخفى ما فى التعبير بالمسخ من الإشارة إلى أنهم لو عبروا عن معانى المطول بعبارات أخرى، لكان تعبيرهم بعبارة متسفلة جدّا، لما علمت أن المسخ تبديل صورة بصورة أدنى من الأولى.
_________
(١) جمع حدقة وهى السواد المستدير وسط العين، وقيل: هى فى الظاهر سواد العين وفى الباطن خرزتها قال الجوهرى: حدقة العين: سوادها الأعظم، والجمع: حدق وأحداق وحداق. وانظر: لسان العرب (٢/ ٨٠٦) مادة: (حدق).
(٢) النحل: ١١٢.
1 / 40