وتقاعدت عزائمهم عن اكتشاف (*) خبيئات أسراره،
===
الطلوع أى الإدراك، فضلا عن طلوعهم وإدراكهم بالفعل، والإضافة فى" طوالع أنواره" من إضافة الصفة للموصوف، أى: أنواره الطالعة بمعنى الظاهرة، والمراد بأنوار الشرح معانيه، استعار لها لفظ الأنوار استعارة مصرحة، والطوالع ترشيح، ويصح أن تكون الطوالع استعارة لمعانى الشرح، والأنوار استعارة لألفاظه، أى: عن إدراك معانى ألفاظه؛ وحينئذ فالإضافة من إضافة المدلول للدال، ثم إن كون معانيه طالعة وظاهرة بالنسبة لما عند الشارح أو بالنسبة لما فى الواقع، فلا ينافى أنها بالنسبة لهم فى غاية الدقة فتحتاج إلى استطلاع.
(قوله: وتقاعدت) يقال فيه ما قيل فى" تقاصرت"، ويقال فى السين والتاء فى" استكشاف" ما مر فيهما فى" استطلاع"، والكشف هو الإظهار.
(قوله: خبيئات أسراره) الإضافة فيه من إضافة الصفة للموصوف، أى أسراره المخبّآت، أى التى شأنها أن تخبأ لعاقبة الدهر؛ لعظمها ولشرفها، والأسرار جمع سر وهو ضد الجهر، والمراد بها هنا النكات، فشبه نكات المطول ومعانيه الشديدة الصعوبة بالأسرار، والجامع الاحتياج لزيادة الاهتمام فى كل، واستعيرت الأسرار للنكات المذكورة استعارة تصريحية. ويحتمل أن تكون الإضافة حقيقية بأن أريد بالأسرار مطلق الأسرار، وأراد بالخبيئات أشرف الأسرار أى: أدقها، والمعنى: عن إظهار أدق الأسرار أى أدق الدقائق. ثم إن هذه السجعة متعلقة بالمعانى الشديدة الصعوبة والدقة، وما قبلها بالدقة الصعبة فقط، فلا يقال: إن هذه عين ما قبلها، لكن قد يقال: إن الأولى الاقتصار على السجعة الأولى وحذف الثانية؛ لأنه إذا تقاصرت هممهم وعجزت عن المعانى الصعبة فقصورها عن الشديدة الصعوبة بالطريق الأولى، إلا أن يقال: أتى بهذه الثانية؛ دفعا لما يتوهم أن هممهم وإن تقاصرت عن درك المعانى الصعبة لم تتقاصر عن إدراك شديدة الصعوبة؛ لكون هممهم عليّة. ثم لا يخفى حسن التعبير هنا ب" تقاعدت"، وفيما مر ب" تقاصرت"؛ وذلك لأنّ طوالع الأنوار شأنها العلو فيناسبها التعبير بالتقاصر، وشأن خبيئات الأسرار الانخفاض فيناسبها التعبير بالتقاعد.
_________
(*) كذا في (المطبوع)، وفي شرح الدسوقي- كما يأتي-: (استكشاف)، وعليه جرى كلامه في الشرح، فلعل ذلك في نسخة خاصة به.
1 / 39