لما شاهدوا من أن المحصّلين قد تقاصرت هممهم عن استطلاع طوالع أنواره،
===
ووصف السائلين بالكثرة والفضل والذكاء من تأكيد موجب الامتثال؛ حيث كان السؤال ممن هو بهذا الوصف، ووصولهم للمسئول، ولم يكن بالمراسلة.
(قوله: لما شاهدوا) متعلّق ب" سألونى": لما علموا علما فاشيّا كالمشاهدة، ثم يحتمل أن يقرأ بالتخفيف تعليلا ل" سألوني"، وما موصول اسمى أو نكرة موصوفة فالعائد محذوف، و" من" بيانية أو مصدرية فلا حذف، و" من" زائدة على مذهب من يجوّز زيادتها فى الإثبات، ويحتمل أن يقرأ بالتشديد فتكون ظرفا لسألوني، و" من" و" أن" زائدتان، وإنما كان التقاصر والتقاعد عما ذكر، والتقليب والمد المذكوران، علة لطلب الاختصار؛ لأن فى اختصاره نفع المتقاصرين بإعطائهم مقدورهم، وقمع المنتحلين باستغناء الناس بذلك المختصر عن مصنوعهم، فيتركون الانتهاب والمسخ؛ لبطلان مرجوّهم من ملاحظة الناس لهم واعتنائهم بما ينتهبونه.
(قوله: المحصلين) أى: المريدين للتحصيل، أو الذين شأنهم تحصيل هذا الكتاب، أو المحصلين بالفعل لغير هذا الكتاب من فن المعاني، وليس المراد المحصلين لهذا الكتاب؛ فاندفع ما يقال: إن وصفهم بالتحصيل وتقاصر الهمم فيه تناف.
(قوله: قد تقاصرت ...
إلخ) ما تفيد صيغة التفاعل من التعنى والتكلف غير مراد، أى فليس المراد أن هممهم توجهت ثم أخذت فى الرجوع والكسل، وإنما المراد قصرت من أول الأمر، ومثله يقال فى قوله الآتى: و" تقاعدت"، وقرر شيخنا العدوى أن" تفاعل" يأتى للمبالغة كما هنا، وحينئذ فالمعنى: قصرت قصورا تامّا؛ لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، والهمم:
جمع همّة، وهى والعزيمة شيء واحد، وهى الإرادة على وجه التصميم، وحينئذ ففى كلامه تفنن حيث عبر أولا بالهمم، وثانيا بالعزائم، وإسناد القصور- الذى هو العجز- إلى الهمم، والقعود إلى العزائم، مجاز عقلى، إذ المتصف بهما حقيقة الأشخاص.
(قوله: عن استطلاع طوالع أنواره) السين والتاء إما للطلب أى: عن طلب طلوع، أو زائدتان لتحسين اللفظ، والمعنى: عن طلوع، أى إدراك وفهم، على طريق الاستعارة المصرحة، وجعلهما للطلب أبلغ من جعلهما زائدتين؛ لإفادته أنهم عجزوا عن طلب
1 / 38