ثم رأيت الكثير من الفضلاء، والجم الغفير من الأذكياء، سألونى ...
===
سبكتها) ترشيح للتشبيه إما باق على معناه أو مستعار لأخرجتها، ويصح أن يكون فى الكلام استعارة بالكناية بأن شبه الفكر فى النفس بصائغ على طريق الاستعارة المكنية، وإثبات اليد تخييل، وذكر السبك ترشيح؛ لأن اليد من لوازم المشبه به، والسبك من ملائماته، و" أل" فى" الأفكار" عوض عن المضاف إليه أى أفكارى.
(قوله: ثم رأيت) عطف على قوله: " شرحت"، وعبر ب" ثم"- التى للترتيب- للتراخى بين الفعلين، ورأى يحتمل أنها علميّة فتكون جملة" سألونى" فى محل نصب مفعولا ثانيا، ويحتمل أن تكون بصريّة فتكون الجملة المذكورة فى محل نصب على الحال.
(قوله: من الفضلاء) جمع فضيل بمعنى فاضل ككريم وكرماء، والفاضل من اتصف بفضيلة، ذكاء كانت أو صلاحا أو علما، والمراد به هنا من كثر علمه، والجار والمجرور حال من الكثير أو صفة له.
(قوله: والجم) مأخوذ من الجموم وهو الكثرة، والغفير من الغفر وهو الستر أى والجمع العظيم الساتر لكثرته وجه الأرض وما وراءه، والأذكياء جمع ذكى، قيل: كامل العقل، وقيل: سريع الفهم، والقولان متقاربان؛ لأن كمال العقل يستلزم سرعة الفهم وغيره، ولا يقال: إن هذه السجعة عين ما قبلها؛ لأنّ الجم الغفير أبلغ فى الكثرة من لفظ الكثير، والأذكياء أعم من الفضلاء؛ بناء على أن المراد بالفضلاء من اتصف بكثرة العلم.
(قوله: سألوني) أى: طلبوا مني، وفى هذا إشارة لقوله- ﵊: " ليس منّا من لم يتعاظم بالعلم (*) " أى: يعتقد أن الله عظمه بإعطائه نعمة العلم، والسؤال إن كان بمعنى الطلب كما هنا تعدى للمفعولين بنفسه، وإن كان بمعنى الاستفهام تعدى للثانى بعن أو ما بمعناها نحو فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا (١)، ونحو:
فإن تسألونى بالنّساء فإنّنى ... خبير بأدواء النساء طبيب (٢)
_________
(*) لم أجده فيما بين يدي من المصادر ولا أراه إلا من قبيل الضعيف أو الموضوع.
(١) الفرقان: ٥٩.
(٢) البيت من الطويل، وهو لعلقمة الفحل فى: ديوانه ص ٣٥، وأدب الكاتب ص ٥٠٨، وحماسة البحترى ص ١٨١، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٤٩.
1 / 36