عن المصباح، وأودعته غرائب نكت سمحت بها الأنظار، ...
===
استعارة لشراح هذا المتن التى لغير الشارح، بجامع إظهار ما كان خفيّا فى كل، والمعنى حينئذ: وصيرت ذلك المتن غنيّا بالمطول الشبيه بالإصباح عن غيره من الشروح الشبيهة بالمصباح. وإنما آثر لفظ" الإصباح" على لفظ" الصبح"؛ لمزاوجة لفظ المصباح، وفى ذلك إيماء إلى أنه ينبغى أن يسمى شرحه بالإصباح، لكن لم يشتهر بذلك، وإنما غلبت عليه التسمية بالمطوّل.
(قوله: وأودعته) أى: وضعت فيه، فشبه شرحه بأمين تودع عنده النفائس، على طريق الاستعارة المكنية، واختار التعبير ب" أودعته" دون" وضعت فيه"؛ للإشارة إلى عزة تلك النكات؛ لأنه يفهم منه أنه ملتفت إليها وملاحظ لها كما هو شأن من يودع، وللإشارة إلى أن تلك النكات من مستنبطاته؛ لأن الشخص إنما يودع ما كان ملكا له.
(قوله: غرائب نكت) من إضافة الصفة للموصوف، أى: نكتا غريبة مستبدعة مستظرفة الشأن أى تلتفت إليها النفوس؛ لأن شأن النفس التفاتها للشىء الغريب بخلاف غير الغريب فإنه مبتذل عند النفس، والنكت جمع نكتة وهى فى الأصل البحث فى الأرض بعود ونحوه، ومن لازم ذلك ظهور لون فى ذلك المكان المبحوث فيه مخالف للون ما أحاط به ثم استعملت النكتة فى كل لون مخالف لما أحاط به، على طريق المجاز المرسل، والعلاقة الملزومية، ثم استعيرت للطائف المعانى لمخالفتها لغيرها عند الذهن فى الحسن، فإطلاقها على لطائف المعانى مجاز مبنى على مجاز، ولك أن تقول: إن إطلاق النكتة على المعنى الدقيق مجاز مرسل علاقته المجاورة؛ لأنّ الإنسان إذا استعمل فكره فى المعنى الغامض ينكت فى الأرض بعود أو بإصبعه بحسب العادة.
(قوله: سمحت) بفتح السين المهملة والميم مأخوذ من السماحة وهى الجود، أى: جادت بها الأنظار، وفى تعبيره بسمحت إشارة لعزة تلك النكات؛ لأن الجود إنما يقال فى مقابلة البخل، والشأن أن الإنسان إنما يبخل بالعزيز، وحينئذ فالمعنى: جادت بها الأنظار مع أنها لعزتها مما يبخل بها، وإسناد السماحة للأنظار مجاز عقلى؛ إذ الحقيقة إسناد السماحة لأصحاب الأنظار، أو أن فى الكلام استعارة بالكناية حيث شبه الأنظار
1 / 34