وأذاقه حلاوة التحقيق-: قد كنت شرحت فيما مضى" تلخيص المفتاح"، وأغنيته بالإصباح ...
===
(قوله: وأذاقه حلاوة التحقيق) التحقيق: ذكر الشيء على الوجه الحق، أو إثبات المسألة بالدليل، وحينئذ فإضافة الحلاوة إليه من إضافة المشبه به للمشبه، والإذاقة ترشيح للتشبيه، أو أنه شبه التحقيق بشيء حلو كعسل النحل استعارة بالكناية، وإثبات الحلاوة تخييل باق على معناه أو مستعار للذة، أى: وأذاقه لذة التحقيق، وهى لذة معنوية، وأما لذة الجماع والشيء الحلو كالعسل فهي حسية، والمعتبر اللذة المعنوية، وأما الحسية فهى دفع آلام؛ ولذا حصر بعضهم اللذة فى المعارف والعلوم، وإثبات الإذاقة ترشيح إما باق على معناه أو أنها مستعارة للإعطاء، وفى التعبير بالإذاقة إشارة إلى أن التحقيق أمر صعب المراد لا ينال جميعه، وإنما يصل الإنسان إلى طرف منه كما يصل الذائق إلى طرف مما يذوقه، ثم إن هذه الجملة وما قبلها معترضتان بين القول ومقوله، أعنى: قد كنت ... إلخ، قصد بهما الدعاء؛ لأنهما خبريتان لفظا إنشائيتان معنى.
(قوله: فيما مضى) أتى به وإن كان المضىّ مستفادا من" شرحت"- إذ هو فعل- ماض تأكيدا لدفع توهم التجوز فى" شرحت"، وأنه بمعنى" أشرح" أو" أن شرح"، وإن كان للمضىّ محتمل للقرب والبعد بخلاف لفظة" فيما مضى"، فإنها تشعر بالبعد، فأتى بها لإفهام بعد زمن تأليف المطول (١)، ويؤيد هذا التوجيه التعبير ب (ثم) فى قوله: (ثم رأيت ... إلخ) المفيدة للتراخى بين الفعلين.
(قوله: تلخيص المفتاح) للعلامة محمد بن عبد الرحمن القزوينى خطيب جامع دمشق.
(قوله: أغنيته) أى: صيّرته غنيّا، والضمير فى أغنيته وفى معانيه وأستاره لتلخيص المفتاح، وباقى الضمائر الآتية راجعة للشرح، وهذا وإن كان فيه تشتيت فى مرجع الضمير، لكن اتكل الشارح فى ذلك على ظهور المعنى.
(قوله: بالإصباح) هو الدخول فى وقت الصباح، أريد به لازمه وهو الصبح، ثم استعير لشرح الشارح، بجامع إظهار ما كان خفيّا فى كلّ، والمصباح هو السراج أى: الفتيلة،
_________
(١) يعني: حاشية السعد على التلخيص.
1 / 33