بأسرار البلاغة، وعلى آله وأصحابه المحرزين قصب السبق ...
===
العجز فى الغير ثم نقل لإظهار العجز فيه، ثم نقل لأظهار صدق النبى- ﵊ فى دعواه الرسالة، فهو مجاز مبنى على مجاز، وحينئذ فالمعنى: المؤيد دلائل صدقه، وبأن الإضافة لأدنى ملابسة، وبيان ذلك: أن الدلائل لما كانت ملابسة لإعجاز الخلق أى إثبات عجزهم عن الإتيان بمثلها، ودلت على الصدق بواسطته أضيفت إليه.
وفى كلامه من المحسنات البديعية جناس الطباق حيث جمع بين المؤيد والإعجاز، وهما معنيان متقابلان.
(قوله: بأسرار البلاغة) أى الأسرار المعتبرة فى البلاغة، وهى مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، وأسرارها: الأمور التى يقتضيها الحال، كالتأكيد عند الإنكار، وتركه عند عدمه، وغير ذلك مما سيأتي، وسميت أسرارا؛ لأنها لا يعرفها إلا أربابها، فشبهت بالسر الذى بين اثنين لا يعرفه إلا هما، واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة المصرّحة، فإن قلت: من جملة دلائل إعجازه انشقاق القمر، وسعى الحجر، وغيرهما، وأسرار البلاغة ليست موجودة فيهما، فما معنى كونهما مؤيدين بتلك الأسرار؟ وأجيب بأن المعجزات يؤيد بعضها بعضا، فالتأييد ثابت لهما بالأسرار بهذا الاعتبار، وتوضيح ذلك أن القرآن مؤيّد بأسرار البلاغة، وهو مؤيّد لبقية المعجزات؛ لثبوته بالتواتر وبقائه على الدوام، فتكون الأسرار مؤيّدة لبقية المعجزات؛ لأن مؤيّد المؤيّد لشيء مؤيد لذلك الشيء، هذا إن جعلنا إضافة" دلائل" إلى" إعجاز" للاستغراق، فإن جعلناها للجنس لم يرد السؤال، وكذا إن جعلناها للعهد وأردنا بدلائل إعجازه: السور القرآنية، وكل جملة من القرآن قدر سورة، ومعنى تأييد القرآن بأسرار البلاغة أن أمارات الإعجاز فيه وإن كانت كثيرة من الإخبار بالغيوب، والأساليب العجيبة، وغيرهما، لكن أقوى تلك الأمارات كمال البلاغة الحاصل بتلك الأسرار.
(قوله: المحرزين) صفة للآل والأصحاب، مأخوذ من الإحراز، وهو الحوز والضم، أى: الذين حازوا وضمّوا. (وقوله: قصب السبق) القصب: جمع قصبة، وهى سهم صغير تغرسه الفرسان فى آخر الميدان يأخذه من سبق إليه أولا، وإضافة قصب
1 / 28