من مطالع المثانى، ...
===
الصدور، والتبيان فى جانب تنوير القلوب؛ لأن التبيان أبلغ من البيان؛ لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى غالبا، فهو بيان مع برهان، وقيل: مع كد خاطر وإعمال قلب، وتنوير القلب أقوى من شرح الصدر؛ لأن تنوير القلب إدخال النور فيه، وشرحه فتحه، والأبلغ أولى بالأقوى، وإنما قدم شرح الصدور على تنويرها؛ لأنه وسيلة له، والوسيلة مقدّمة على المقصد، وهذا كله بحسب الأصل، وإلا فالمراد بشرح الصدور، وتنوير القلوب واحد، ويدل له ما قالوه فى قوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ (١) أى: قذف فى قلبه نورا ينتفع به، فإنّ هذا يدل لما قلنا من أن شرح الصدر عبارة عن تنويره، وحينئذ ففى العبارة تفنن، أى: ارتكاب فنين ونوعين من التعبير، كذا قال بعضهم.
(قوله: من مطالع المثانى) حال من التبيان، أو صفة له؛ لأن الجار والمجرور الواقع بعد المعرف ب (أل) الجنسية يجوز فيه الأمران، و" من" للسببية، وهذا ترشيح للتشبيه على الاحتمال الأول، والمعنى: ونور قلوبنا بالتبيان الشبيه باللوامع كائنا ذلك التبيان أو الكائن بسبب تدبر مطالع المثاني، وعلى الاحتمال الثانى يكون الجار والمجرور حالا أو صفة للوامع ترشيحا للاستعارة، والمعنى: ونور قلوبنا بمعانى التبيان حالة كونها ناشئة من مطالع المثاني، ف" من" للابتداء، وعلى هذا فمعانى التبيان معان أخر غير معانى القرآن استفيدت من ممارسته.
والمثانى- بالثاء المثلثة، كما بالنسخة التى صححها الشارح-: القرآن؛ لأن الأحكام والقصص فيه ثنّيت أى كرّرت، أو لتكرر نزوله، وهو جمع مثنى كمفعل اسم مكان، أو مثنّى بالتشديد من التثنية على غير قياس، (والمطالع) جمع مطلع وهو فى الأصل اسم لمحل طلوع الكواكب والمراد به هنا ألفاظ القرآن، فشبهت ألفاظ القرآن بمحلّ طلوع الكواكب بجامع أن كلّا محل لطلوع ما يهتدى به، واستعير اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية، وإضافة مطالع للمثانى على هذا من إضافة الأجزاء للكل أو بيانية، ويحتمل أن إضافة مطالع للمثان ى من إضافة المشبه به للمشبه
_________
(١) الزمر: ٢٢.
1 / 26