Hashiyat al-Tawdih wa al-Tashih li Mushkilat Kitab al-Tanqih
حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح
प्रकाशक
مطبعة النهضة
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٣٤١ هـ
प्रकाशक स्थान
تونس
शैलियों
حاشية
التوضيح والتصحيح * لمشكلات كتاب التنقيح
للعلامة الغطريف. المضطلع بأعباء التحرير والتأليف. التحرير
المهام الشيخ سيدي محمد الطاهر ابن عاشور الشريف القاضي
المالكي بالقطر الأفريقي حرس الله مهجته. وأدام
بهجته. على شرح تنقيح الفصول في الأصول
لمؤلفه الإمام الكبير شهاب الدين أحمد بن
إدريس القرافي المالكي المتوفى
سنة ٦٨٤ ﵀ وقد
زينت هوامشها
بالشرح المذكور
م
* طبعة أولى - جزء أول *
﴿حقوق الطبع محفوظة للمؤلف﴾
طبع بمطبعة النهضة نهج الجزيرة عدد ١١ تونس سنة ١٣٤١ هـ
- (الجزء الأول) -
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
خير مفهوم من فحوى كل كلام. وأفضل منطوق من شفاه المحابر والسنة والأقلام. حمد الله تعالى مفيض عموم الفضائل. المخصوص بالغنى المطلق والوجود الكامل. وأولى ما جاء على أثره. وحقق معنى إنشائه صورة خبره (١). الصلاة على رسوله المفضل بأصول الشريعة والبرهان. والمؤيد بالإعجاز الظاهر من البيان. وعلى آله وأصحابه
_________
(١) قولي وحقق معنى إنشائه صورة خبره الخ أردت به الإشارة إلى أن جملة الصلاة متمحضة للثناء والتعظيم لأنها خبر مستعمل في الإنشاء لعلاقة التحقق لصدورها عمن لا خلاف في إخباره فكان استعمالها في الإنشاء مشيرًا إلى عدم احتمالها للكذب فلذلك حقق معناها الإنشائي خبريتها الصورية فكيفما حملتها صدقت لتظاهر لفظها ومعناها على غرض واحد. وأشرت أيضًا إلى أنها صالحة لأن يراد منها الصورة والمعنى معًا بناء على جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه فتكون شاهدًا لذلك في المفرد والمركب لأن الصلاة مستعملة في الأمرين كما احتج به محيزه فتكون الجملة أيضًا مستعملة في حقيقتها وهو الإخبار والمجاز وهو الإنشاء فتكمل بها الحجة.
1 / 2
أيمة الدين الذين جلوا إعلامه. وراشوا للرماة عند سهامه.
(أما بعد) فدونك أيها الخاطب مخدرات المعاني من حجابها المعاني من حجابها. والآتي فصول أصول الفقه من أبوابها. دررًا تزين عندك جيدها. ومفاتيح تحل عنك ما ارتج وصيدها. ونبراسًا يضيء لك المسلك الصريح. من مسالك كتاب التنقيح. فإنه جمع فوائد عزت عن أن تسام. واستوعب مسائل أصول الفقه بما ليس وراءه للمستزيد مرام. على أنه صعب الثنايا. شديد الخبايا. محتاج لرفع حجابه. وتبيان مرامي شهابه. فكثيرًا ما تألقت منه بروق الأشكال ليلًا. وأجلبت كتائبه على الناظرين من الحيرة رجلًا وخيلًا. وكنت قد انتدبت لتدريسه. والتقاط ما تناثر من نفيسه. فلما سهل الله إتمامه. واستحالت القتادة منه ثمامة. وجدت ما علقته عليه يصلح أن يبرز تأليفًا مستقلًا. ويحل من نفوس الطالبين محلًا. فإن نفوسهم لم تزل تتقصى آثار شرائده. وتتوخى تحصيل فوائده. فتحول دون أمانيهم قلاقة تركيبه. كما تحول دون الخيل شراسة حبيبه. وعسى أن يجعلوا هذا التعليق حجر الأساس. فيشيدوا عليه من صروح المعارف ما يبهت الناس. وأول ما صرفت إليه الهمة في هاته الحاشية هو تحقيق مراد المصنف ﵀ ثم تحقيق الحق في تلك
1 / 3
المسائل مع تمثيلها بالشواهد الشرعية. وتنزيلها على ما ليس متداولًا من الفروع الفقهية. لتكون في ذلك دربة على استخدام الأصول للفقيه وقد أعرضت عن التطويل بجلب الأقوال. لأن في ذلك ما يضيع الزمان ويؤدي إلى الملال. وعن الإكثار من المسائل والفوائد. والتطوح إلى المستطردات الشوارد. فإن في هذا الكتاب وفاء بما يحتاج إليه من صميم علم الأصول بما ضمت عليه جوانح العبارات. وأومأت إليه لواحظ الإشارات. وتعرضت إلى ترجمة من لم تكن ترجمته شهيرة. أو كان في ذكره عبرة للمتعلم وبصيرة.
قال شهاب الدين ﵀
(الباب الأول في الاصطلاحات وفيه عشرون فصلًا)
أراد من هذا الباب بيان ألفاظ اصطلح أهل هذا العلم عليها يكثر ورودها في أكثر المواضع من كلامهم ويتوقف على بيانها فهم قواعدهم فلا يكون الناظر في كتاب من كتب علومهم مستفيدًا تمام الاستفادة ما لم يعلم معاني تلك الألفاظ من وقت الشروع والذي ذكره المصنف هنا نوعان أولهما مسائل من علم الأصول سيأتي البحث فيها ولكن التربص بالشارع في هذا الكتاب إلى وقت الوصول لها يحول دونه ودون فهم المراد منها عند وقوعها في أثناء المباحث من الآن فذكرها هنا مقدمة كتاب. النوع الثاني مسائل من علوم أخرى نقلت إلى هذا العلم وجعلت أمام المقصود لارتباط له بها وانتفاع بها فيه وهذه مقدمة علم الأصول فقد اعتاد علماء هذا الفن تصديره بذكر مسائل ترجع إلى ثلاثة علوم: العربية والأحكام والكلام لاستمداد علم الأصول منها أما العربية فلأن الكتاب والسنة ومنهما معظم الأدلة عربيان. وأما الأحكام فهي شعبة من شعب علم الفقه ولكنها أخذت هنا باعتبار كونها شائعة متعارفة بين المسلمين قبل تدوين علمي الفقه والأصول لما يعرفه كل أحد من قولك
1 / 4
حرام وواجب فلا يرد ما يقال إنه يلزم توقف الأصل على فرعه ولذلك قال ابن الحاجب أن المراد تصورها أي تصور حقائقها وأقسامها أي لأنها الغاية من أدلة الأصول. وأما الكلام فلأن علم الكلام اسم للعلم الجامع لتحقيق مدارك العلوم النظرية بوجه لا يخالف الأصول الشرعية فهو قد أودع مسائل المنطق والفلسفة بعد تجريدها مما يجافي الدين فلما كان للأصولي فضل احتياج إلى قواعد من هذين العلمين وكان علم الأصول ومنازع الاجتهاد تشغل جل وقت المشتغل بها لزمهم أن يكفوا طلاب علمهم مؤنة ما يحتاجون إليه من هذين العلمين لصون الذهن عن الخطأ في النظر ولم يرضوا أن يتنازلوا إلى أخذها من علم غير إسلامي لئلا يكون علمهم الذي هو رئيس العلوم الشرعية على التحقيق مستمدًا من علم غير إسلامي هذا قصارى ما نوجه به صنيعهم في الاستمداد من الكلام. ووجه ابن الحاجب ذلك بما لا يتم وإنما يصلح أن يجعل توجيهًا لاحتياج صحة الإيمان إلى علم الكلام. وبهذا يظهران هذا الباب مقدمة علم وكتاب معًا ولا ضير في ذلك عند التحقيق. غير أن أهل الأصول جروا على ابتداء كتبهم بتعريف العلم ثم يذكرون بعد ذلك المبادئ والمصنف ﵀ عكس فقدم تعريف الحد على تعريف أصول الفقه وله وجه وجيه. وهو أن البحث عن تعريف الحد لا غرض منه إلا التحقيق فيما يرد من التعاريف كتعريف العام والمجمل مثلًا ليعلم الجامع والمانع من غيره ولما كان تعريف علم الأصول محتاجًا إلى ذلك كان البحث عن تمييز أحكام الحدود جديرًا بالتقديم على كل تعريف يرد في هذا العلم على أن المصنف ترك توجيهه بهذا وعدل إلى الجواب الراجع إلى أن العلم تصور وتصديق والتصور سابق على التصديق الخ وهو لا يحسن هنا بل يحسن من المنطقي الذي يبحث عن طرق العلم لأن
1 / 5
موضوع علمه هو المعلوم من حيث هو تصور وتصديق فيقدم في الوضع ما هو مقدم منهما في الطبع أما الأصولي فلا داعي يدعوه إلى البحث عن العلم حتى يوجه كلامه بمثل هذا التوجيه المحتاج إلى توجيه (قوله. والتصديق مسبوق بالتصور آه) مسبوقية الكل بجزئه على رأي الإمام أو مسبوقية المشروط بشرطه على رأي الأقدمين كما لا يخفى (قوله قال والمختار عندي الخ) ليس هذا قولًا آخر أو مخالفة لما اقتضاه كلامه كما قد يتوهم بل هـ شرح لمعناه بوجه محقق أي والمختار في تقريره (قوله. قال أما اللفظي والرسمي فلا ينضبط عددهما الخ. هكذا نقل عبارة الغزالي ولم يتعرض بالصراحة لحكم الحد
1 / 6
الحقيقي هل يتعدد أم لا وهو لا يتعدد ووجهه أن الحد الحقيقي هو ما تركب من الذاتيات والذاتي ما لا يعقل فهم الذات قبل فهمه فلو تعدد الحد الذاتي لزم إما أن يكون أحد الحدين ذاتيًا دون الآخر وإما أن تفهم الذات بدون فهم بعض ذاتياتها وهو ينافي حقيقة الذاتي اللهم إلا إذا أريد تغيير العبارات وهو حد لفظي (قوله نعني باللفظ لفظ السائل الخ) إنما بني التعريف على حال السؤال لأنه لا يكون إلا في جواب سؤال محقق أو مقدر لأن الذي يساق إليه التعريف أما سائل عن حقيقة المعرف وأما في قوة السائل لتردده وأما الجاهل البحت فلا معنى لسوق التعريف إليه إلا عند قصد التعليم وحاله حينئذ كحال السائل (قوله وهو غير المحدد الخ) هذا هو الموضع الذي تقتضي صناعة التأليف ذكر الخلاف المنقول من كلام الغزالي عنده (قوله وقولنا جامع هو معنى قولنا مطرد الخ)
1 / 7
خالف هنا اصطلاح كافة المناطقة إذ المطرد عندهم هو المانع والمنعكس هو الجامع وقد تعمد ذلك واعتذر فيما نقله عنه الزركشي بأنه أنسب بالاستعمال اللغوي لأن أطرد بمعنى استمر مطاوع طرده فالمطرد هو المستمر في إحاطته بمحدوده بحيث يجمع سائرها وهو اعتبار حسن لولا مخالفته للاصطلاح الشائع على أن له فيه سلفًا من المتكلمين فقد نقل الزركشي عن التذكرة لأبي علي التميمي أنه قال الجمع يسمى في اصطلاح علمائنا طردًا والمنع عكسًا فاندفع اعتراض الرهوني على المنصف الذي ذكره حلو لو واقره (قوله قاعدة أربعة لا يقام عليها دليل الخ) أي دليل جدلي من المستدل في جواب المعترض وليس المراد أنها لا سبب لها إذ ما من حادث إلا وله سبب ولذلك يمكن أن يسأل عنه بلم ولكنه ليس سؤالًا يجعل المسئول مستدلًا حتى يلزم بالجواب عنه. فالحد علته أن المحدود كذلك في الخارج وأن مفهوم الحد صادق عليه مانع من دخول غيره وكفى بهذا دليلًا على صحته ومميزًا بين الصحيح والفاسد. والعوائد ناشئة عن أسباب تاريخية وحاجات مدنية. والإجماع لابد له من مستند. والعقائد والمراد بها هنا الوجدانيات كذلك وإن كانت أضعف إذ يكثر خفاء أسبابها كالجوع مسبب عن فراغ المعدة وظاهر كلام المصنف أنه أراد بالعقائد ما هو أعم لأنه تأول أن الذي لا يقام عليه الدليل هو كونها في النفس لا صحة وقوعها في نفس الأمر يريد أن المعتقد لا يستطيع أن يقيم الدليل على أنه يعتقد كذا ولا يطالب بالدليل على ذلك بل يكتفي منه بقوله أني اعتقد فإذا ذكر دليل المعتقد في الخارج غلب على ظننا أنه اعتقد في نفسه ما يقتضيه الدليل لأن شأن أهل العقول تسليم الأدلة الصحيحة (وقوله المراد بالمساوي أي في الجهالة الخ)
1 / 8
أراد بهذا دفع تدافع بين قول المناطقة يشترط في الحد المساواة للمحدود وقولهم لا يصح كونه مساويًا فالمراد بالمساواة في الأول مساواة الصدق وفي الثاني المساواة في الجهالة (وقوله وكان الخسروشاهي يجيب عن تلك الحدود فيقول هي صحيحة الخ) الوجه أن يقول إنها قد تكون صحيحة لا أنها دائمًا صحيحة بدليل تعليله بقوله فجاز أن يكون السامع يعرف معنى المعلوم إلا أن يريد أن جميعها صحيح لإمكان الجواب في جميعها بدعوى أن الأشياء الداخلة في التعريف التي لا تعرف إلا بعد معرفة المعرف قد عرفها السامع من جهة أخرى كالبداهة والاشتهار ونحوهما.
ترجمة الخسروشاهي
والخسروشاهي هذا شيخ المصنف وهو شمس الدين عبد الحميد بن عيسى بن عمويه بن يونس بن خليل الشافعي ولد في خسروشاه. بضم الخاء وسكون السين وفتح الراء بعدها واو ساكنة ثم شين معجمة قرية من قرى تبريز تبعد عن تبريز بستة فراسخ. سنة ٥٨٠ ثمانين وخمسمائة وتوفي في دمشق سنة ٦٥٢ اثنين وخمسين وستمائة لازم الإمام فخر الدين الرازي وحصل عليه العقليات وبرع
1 / 9
فيها وقدم الشام ثم الكرك ثم رجع إلى الشام واختصر المهذب في الفقه وتمم الآيات البينات للإمام الرازي كذا في طبقات السبكي ووافي الصفدي ومعجم ياقوت. والظاهر أنه دخل مصر وفيها لقيه شهاب الدين القرافي ويوجد في باب الدلالة من شرح المصنف على المحصول أنه حفيد الإمام الرازي وهو تحريف صوابه تلميذ (قوله إذا كان معروفًا بالقرائن الخ) أي معروفًا المراد منه بالقرائن المعينة أما المانعة فهي لازمة للمجاز فلا تكون هي المشروطة (قوله واتفقوا على أن الكنايات لا تجوز في الحدود الخ) وجه ذلك أن التعريف بها من قبيل التعريف باللازم غير البين ودلالته غير معتبرة عند أهل الميزان ولذا قال المصنف فلا يجوز أن يريد معنى لا يدل عليه لفظه أي دلالة معتبرة ولأن الكناية تجوز معها إرادة المعنى الأصلي فتوقع في الحيرة ولذا قال المصنف لأنها أمر باطن لا يطلع عليه السائل: فإن قلت فكيف جاز وقوعها في الكلام. إذا كانت بهذه المثابة من الإبهام. قلت لأن مقاصد البلغاء مختلفة بخلاف مقصد المعرف فقصده الإيضاح. ولأنها في الكلام تحمل على الموصوف حملًا كحمل الاشتقاق فإذا قلت هو كثير الرماد بمعنى كريم فكأنك حكمت بأنه قام به الاتصاف بكثرة الرماد لأجل كرمه قيامًا اتفاقيًا كقيام المشتقات بموصوفاتها. وأما في التعاريف فحمل التعريف على المعرف حمل مواطاة فإذا عرفت الكريم بأنه كثير الرماد بطل التعريف طردًا وعكسًا لصدق الكريم بلا كثرة رماد وصدق كثرة الرماد بلا كرم: فإن قلت ما الفرق بينها وبين المجاز. ولماذا امتنعت في التعاريف وجاز. قلت
1 / 10
الفرق أن لفظ المجاز بعد نصب القرينة صار دالًا على المعنى المجازي بالمطابقة ولذلك يقال إنه استعمل فيه بوضع ثان وضعه المتكلم ونصب عليه قرينة. والكناية دلالتها على لازم معناها بالالتزام غير البين كما قدمنا فتفاوتًا لذلك (قوله قال الغزالي الخلل يقع في الحدود من ثلاثة أوجه الخ) هذا الكلام مأخوذ من نص كلام ابن سينا في آخر قسم المنطق من كتاب النجاة. وكأن المراد بالخلل ما يشمل الاشتباه فإن كثيرًا مما ذكر في الأوجه الثلاثة لا يوجب فساد الحد بل إنما يوجب شبهة كجعل الفصل في موضع الجنس ويدل لهذا قوله "فالإفراط هو الفصل ينبغي أن يؤخر" وكذا تعريف الرماد بخشب محترق فإن جعل الخشب جنسًا للرماد غريب لأن معنى الخشبية قد زال عنه أقول والغرض من هذا كله حفظ الأذهان من الشبهة فإنها قد تضلل الفكر عن فهم ما يلحق من أواخر الكلام لتبيين المراد فإن العقل إذا أخذ في مسالك الوهم والاشتباه تمر عليه المنبهات فلا يشعر بها لأنه حينئذ يتطلب الخلاص لنفسه فلا يشعر بما يخلصه. أما نحو الاقتصار على بعض الفصول وأخذ المضاف في تعريف المضاف إليه والعلة في تعريف المعلول فإنه موجب للفساد. وأكثر ما ذكره يرجع إما إلى استعمال المجاز في الحد أو ما هو أخفى
1 / 11
أو ما لا يعرف إلا بعد معرفة المحدود فتتبعها تجدها (قوله والمعرفات خمسة الخ) عبر أولًا في طالعة الفصل بالحد وعدل هنا إلى المعرفات لئلا يوهم تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره فإما صنيعة أو لا فقد جاء على مصطلح الأصوليين الذين لا يفرقون بين الحد والرسم والكل عندهم حد. وأما صنيعه هنا فعلى مصطلح المناطقة لأنه أراد التقسيم إلى حد ورسم وذلك من خصائص المنطق. أما أهل الأصول فسموا الجميع حدًا نظرًا إلى حصول الجمع والمنع في الجميع ولا طائل عندهم تحت هذا التقسيم على أن اسم الحد مأخوذ من المنع كما في الأساس والرسم فيه منع. وأما المناطقة فلأن بحثهم عن الحقائق والمعرف في الحقيقة هو الفصل ثم الخاصة لأنها أثر للفصل فسموا التعريف بها رسمًا والرسم الأثر وجعلوا ما يصحب أحدهم سببأً للتمام والنقصان. ثم إن عد المعرفات خمسة مبني على جعل التعريف اللفظي منها وفيه خلاف والمحققون على أنه من قبيل التصديق (قوله والثالث التعريف بالجنس والخاصة الخ) أي الجنس القريب كما يشير إليه المثال لأن التعريف بالخاصة والجنس البعيد رسم ناقص وقوله والرابع
1 / 12
بالخاصة وحدها أي ومع الجنس البعيد كما يعلم من المنطق (قوله أن المراد بالضاحك الخ) والمراد بالضحك التكشر الناشئ عن التعجب فلا يسمى تكشر الحيوان ضحكًا. وأما إطلاق الضحك عليه في قول الفرزدق يخاطب ذئبًا.
فقلت له لما تكشر ضاحكًا ... وقائم سيفي من يدي بمكان
فمجاز لتنزيله منزلة العاقل عند مخاطبته (قوله وهذا مقام قد أشكل على جمع من الفضلاء الخ) قد زاد المصنف هذا المبحث أشكالًا فأما القول بأن الناطق والضاحك سيان فهو فاسد لأن أهل المنطق مجمعون على أن التعريف بالناطق حد وبالضاحك رسم وجعلوا الأول فصلًا والثاني خاصة وكونه مجرد اصطلاح لا يصح في العلوم العقلية وكذا القول بأن الفرق بينهما ضروري لأنه لو كان كذلك لما احتاج العقلاء إلى تدوين علم المنطق لعصمة الأذهان ولعل صاحب هذا القول قد كان له عقل سديد. ولسان مكبل في حديد. فإنه أدرك الفرق بينهما ولم يستطع الإفصاح عنه فجعل سبق فهمه لذلك من قبيل الضرورة وأما ما ذهب إليه المصنف فإنه لا يخرج عن دعوى أن الفرق بينهما مجرد اصطلاح أما من الواضع وذلك في المواهي الحقيقية التي لها أفراد خارجية بأن يضع لفظًا لوصفين ابتداء ويترك غير
1 / 13
ذينك من الصفات كما وضع الإنسان للحيوانية والناطقية ولو فهم عن الواضع أنه وضعه للحيوانية والضاحكية لكان الضاحك داخلًا والناطق خارجًا. وأما من الفارض والمعتبر وذلك في المواهي الاعتبارية كالحقائق الاصطلاحية فيكون الداخل ما اعتبره المعتبر داخلًا والخارج ما لم يعتبره فالمعتبر هنا كالواضع هناك وذلك باطل. لأنه بعد كونه تفريقًا بالاصطلاح وهو ينافي جعله من المنطق الموضوع للعقليات لا للوضعيات يرد عليه أن وضع الواضع اللفظ للماهية ناشئ عن تمييزها في الخارج عما سواها ولا شك أنها إنما امتازت بفصلها. فالواضع نفسه مطالب بمعرفة الفصل الذي لأجله خص الماهية بلفظ ولم يجعلها مشمولة للفظ ماهية أخرى تشاركها في جنسها على أن دعوى علمنا بوضع الواضع اللفظ للماهية باعتبار بعض صفاتها دون بعض يحتاج إلى وحي ينبئ عنه. ويرد على طريقه الثاني الخاص بالمواهي الاصطلاحية كما أشرنا إليه أولًا كالسكنجبين أنه لا حاجة إليه حينئذ لأن تعاريفها كلها رسوم على التحقيق عند السيد الشريف. فإذن لابد من فرق بين الداخل والخارج والذاتي والعرضي وتحقيقه متوقف على معرفة المراد من الدخول والخروج هنا وذلك أنهم يريدون من الداخل ما كان مقومًا للماهية ومميزًا لها عما عداها في الأذهان حتى تعرف ما هي من بين سائر المواهي المشاركة لها وذلك هو الجنس والفصل لأن الجنس هو مميز الماهية عما عداها من المواهي المغايرة لها تمام المغايره حتى لا يشتبه بعض ببعض كالحيوانية فإنها تميز جنسها عن النبات والمعدن. والغرض من ذكره في التعريف تشخيص ما هو محل للصفات والأعراض من الماهية. والفصل هو المميز للماهية عما يشابهها لمشاركته إياها في جنسها كالنطق مثلًا المميز للإنسان عما يشاركه في الحيوانية ويشبهه فيها أتم مشابهة وهو شيء معلوم ملازم للماهية في
1 / 14
جميع الأذهان فكان مقومًا لها وداخلًا فيها إذ لا تستحضرها الأذهان إلا به بخلاف الضحك فإنه خارج عنها فإن الذهن يتعقل ماهية الإنسان ولا يخطر فيه معنى الضحك ومثله في ذلك بدو البشرة هذا إذا كان المراد من النطق والضحك ما هو المشهور منهما وهو ما سنؤيده فإن أريد بهما التفكر بالقوة والتعجب كما يقول المصنف وبعض المتأخرين فالفرق بينهما حينئذ واضح لأن الضحك ناشئ عن النطق. وأيًا ما كان فالفرق بين الفصل والخاصة بالسبق إلى الأذهان وذلك السبق هو جعل الفصل مقومًا ومكونًا للماهية حتى تمتاز عن غيرها عند جميع المخاطبين في كل حال. واعلم أن الفصل والخاصة كليهما من لوازم المواهي ولكن امتاز الفصل بالسبق إذ الماهية في الحقيقة هي مجموع الجنس والهيئة والطبيعة والشكل المخصوص ولكن لما عسر التعبير عنها بعبارة جامعة أخذوا أقرب اللوازم للماهية وأشدها اختصاصًا بها فجعلوها تعريفًا. كما قالوا الحوت هو حيوان سابح. هذا تمام تحقيق هاته المسألة التي زلت فيها أقدام. وضلت فيها إفهام. وبه تصير على طرف الثمام (وقوله أن الناطق عندهم معناه المحصل للعلوم بقوة الفكر الخ) هكذا يقول كثير من الناس وفيه فساد من وجوه: أولها
1 / 15
أن وضع اللغة ينافيه: ثانيها أن الذي تميز به الإنسان عن غيره من الحيوان بالمشاهدة هو النطق اللساني أما التفكر فهو أمر خفي لا ينبغي التعريف به على أنه يوجد في الحيوان فقد قال الغزالي: أن الاستدلال بالأثر على المؤثر موجود حتى في الحيوان فلذلك يسير إذا سمع صوت سائقه وليس وجوده في بعض أفراد الحيوان بأضعف منه في بله الناس: ثالثها أن مقابلتهم ذلك في تعريف الفرس بالصاهل تنافي ما ذكره والذي دعاهم إلى هذا التكلف هو دفع خروج الأخرس والساكت. ودفعه سهل لشذوذ الأخرس. وكون الساكت ناطقًا متى أراد فالأولى أن الناطق هو المعبر عن جميع ما يريد (قوله والجواب عنه الخ) تحقيق الجواب وتلخيصه أنه معرف بنفسه صدقًا وإن كان غيره مفهومًا. وهو يرجع إلى تفسير مدلول مجهول بمذلولات معلومة. ولا بدع فيها. ومنشأ شبهة الإمام الذهول عن معنى النفسية والغيرية عند علماء المنطق وهي شبهة لا تروج على مثله لولا الذهول.
الفصل الثاني في تعريف أصول الفقه
(قوله فاصل الشيء ما منه الشيء. الخ) عدل عن قول المحصول: "أصل الشيء ما يحتاج إليه" لما أورد عليه تاج الدين في الحاصل من لزوم كون الأسباب والشروط أصولًا ومن أن الأصل لا يطلق على ذلك
1 / 16
لغة ثم اختار تاج الدين ما تابعه عليه المصنف هنا كما في شرحه على المحصول. وتفسير الأصول بما اختاره لا يشمل بعض مقدماته كتعريفه بناء على أن مبادئ العلم من أجزائه كما قرره صاحب التهذيب وإن كان ظاهر كلامهم في التفرقة بين مقدمة العلم ومقدمة الكتاب يوهم أن مقدمة العلم التي منها مباديه خارجة عن العلم حتى توقف الشروع فيه عليها فالتعريف للعلم ونحوه لا ينشأ عنه فقه فلا يشمله إلا تعريف الإمام إلا أن يراد منه الشيء ناشئًا ولو في الجملة. وقد عرف المصنف الأصول بالمعنى الإضافي أي باعتبار كونه مركبًا إضافيًا ففسر الأصل والفقه ليحصل من ذلك معرفة هذا العلم. وهذه إحدى طريقتين لهم في تعريف هذا العلم. وفضلها أن فيها إشارة إلى وجه التسمية وإلى الثمرة. ومنهم من عرفه بالمعنى اللقبي أي باعتبار صيرورة هذا المركب لقبًا لعلم مخصوص مع قطع النظر عن معنى الإضافة فقال "دلائل الفقه الإجمالية" أي الأدلة التي يستدل بها على إثبات فقه بطريق الإجمال لا بطريق التفصيل أي التي تفيد قضايا عامة تنشأ عنها فروع غير معينة ولا منحصرة. نحو قولنا الأمر للوجوب. ومنهم من جمع بين الأمرين كابن الحاجب (قوله وبمن ابتداء الغاية مجازًا الخ) الأولى أن تجعل تبغيضية مجازًا بادعاء أن الفقه بعض من الأصول لتشعبه عنه (قوله فإن النخلة بعضها من النواة الخ) أي بعضها المبهم إذ لابد أن يكون فيها جزء من النواة. وبيه يتبين أنه أراد من مجاز التبعيض المجاز في إطلاق اسم النخلة على بعضها من قبيل المرسل. وأولى من هذا أن نجيب على طريقة الجواب الأول بدعوى المجاز في كلمة من استعارة تبعية الناشئ عن الشيء ببعضه وجرى ذلك في الحرف وهو من المستعملة مجازًا في معنى عن
1 / 17
(قوله والفقه هو الفهم الخ) لعل أصل العبارة والفقه هو الفهم وكذلك العلم والشعر والطب لغة لأن المقصود التنبيه على أنها مترادفة في أصل الوضع ثم نقل العرف بعضها إلى معان مخصوصة كما يعرب عن ذلك نقل المصنف في شرح المحصول عبارة المازري هكذا "الفقه والفهم والطب والشعر والعلم خمس عبارات بمعنى واحد إلا أنه اشتهر بعضها في بعض أنواع الفهم" وليس المقصود تعريف الفقه في اللغة بأنه الشعر والطب. ولأن شرط التعريف اللفظي أن يكون المعرف (بالكسر) أشهر في المعنى من المعرف (بالفتح).
ترجمة المازري
هو الإمام محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري (بفتح الزاي عند الأكثر نسبة إلى مازرة بلدة من جزيرة صقلية كما في أزهار الرياض) المالكي توفي في المهدية سنة ٥٣٦ ست وثلاثين وخمسمائة وعمره ثلاث وثمانون سنة ودفن بثغر المنستير. شرح البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين شرحًا متوسطًا في الطول يذكر فيه نص المتن. ثم أملى عليه بعد ذلك أمالي مطولة مملوءة تحقيقًا وعلمًا. وكان شديد المناقشة لإمام الحرمين. قال السبكي في طبقاته لأن إمام الحرمين والغزالي ربما خالفا الأشعري في مسائل من الكلام والمغاربة يستعظمون مخالفة الأشعري في نقير ولا قطمير وكذلك هما يضعفان مذهب مالك خصوصًا في المصالح المرسلة. والمازري شديد الميل إلى مذهبه كثير المناضلة عنه اهـ أخذ المازري عن عبد الحميد الصائغ واللخمي بعد أن انتقلا عن القيروان إلى سوسه عند خراب القيروان وبلغ مرتبه الاجتهاد (قوله وتقول العرب رجل طب الخ) هو بفتح الطاء أي ماهر حاذق كما في القاموس (١) والطب الحذق ففي المثل "من حب طب" أي تفطن لأحوال من يحبه. ثم أطلق
_________
(١) ومنه قول عنترة: أن تقذفي دوني القناع فإنني ... طب بأخذ الفارس المستلئم اهـ مصحح.
1 / 18
على علم الأمزجة لاحتياجه إلى فرط نباهة أما قول الشاعر "فإن تسألوني البيت" فالطب فيه بمعنى علم الأمزحة مجاز في معرفة أخلاق النساء التي سماها الأدواء جمع داء مجازًا أيضًا. وهذا الشعر لعلقمة الفحل الجاهلي من قصيدة خاطب بها الحرث بن أبي شمر الغساني ملك عرب الشام يستشفيه لقومه بني تميم إذ وقعوا في أسره وطالعها.
طحابك قلب في الحسان طروب. وبعد هذا البيت المذكور في الشرح قوله
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ... فليس له في ودهن تصيب
يردن ثراء المال حيث وجدنه ... وشرخ الشباب عندهن عجيب
(قوله وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي الفقه إدراك الأشياء الخفية الخ) هذا هو الذي يشهد له الاستعمال. قال تعالى ﴿ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾. وفي الحديث "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين".
ترجمة أبي إسحق الشيرازي
هو الإمام إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزبادي "بكسر الفاء" الشيرازي الشافعي ولد بفيروزباد سنة ٣٩٣ ثلاث وتسعين وثلاثمائة ثم دخل شيراز ثم بغداد سنة ٤١٥ وقرأ على القاضي أبي الطيب الطبري والزجاجي وتوفي سنة ٤٧٦ ست وسبعين وأربعمائة كان يضرب به المثل في الفصاحة والنباهة. وقال فيه من مدحه:
تراه من الذكاء نحيف جسم ... عليه من توقده دليل
إذا كان الفتى ضخم المعالي ... فليس يضره الجسم النحيل
وله رحلة في غالب بلاد فارس وإلى الحج. ولأهل بلاد العجم فيه اعتقاد بالغ. ووجهه المتقدي الخليفة في سفارة إلى ملكشاه بنيسابور لإصلاح ذات بينهما وخطب للخليفة بنت ملكشاه السلجوقي وتناظر مع إمام الحرمين في نيسابور في مسألة إجبار البكر وله شعر حسن. منه:
1 / 19
إذا تخلفت عن صديق ... ولم يعاتبك في التخلف
فلا تعد بعدها إليه ... فإنما وده تكلف
ومن أحسن شعره قوله يرثي غريقًا من أصحابه.
غريق كأن الموت رق لفقده ... فلأن له في صورة الماء جانبه
أبى الله أن أنساه دهري لأنه ... توفاه في الماء الذي أنا شاربه
ألف المهذب في الفقه واللمع في الأصول وغيرهما ﵀ (قوله ويرد عليه أسئلة الخ) أي على التعريف مع ما ذكره في شرحه من محترزات القيود. فالسؤال الأول على جمعه. والثاني على الجمع والمنع باعتبار الترديد. والثالث على إبطال خروج المقلد من قيد الاستدلال. والرابع على جمعه (قوله فيندرج علم الأصول الخ) أي الأصول العليا وهي أصول الدين الاعتقادية. ٠ قوله ورابعها الخ) حاصله أن اللام لا تصلح للاستغراق فإن أريد منها العهد فليس لنا أحكام معهودة يطلق عليها فقه وعلى العالم بها فقيه. لأن الأحكام في المسألة الواحدة تكون مختلفة كثيرًا بحسب ما تقتضيه أدلة المجتهدين فلو كان ثمة أحكام مشخصة لما صح إطلاق اسم الفقيه على مجتهدين أثبت كل واحد منهما أحكامًا لمسائل ذهل عنها الآخر كما نجد في المذاهب كثيرًا عدم التعرض لأحكام بعض النوازل ونجد أحكامها في مذهب آخر. فإن قلتم المعهود هو المقدار المحصور في فقه المذاهب المتعارفة سواء اتفقت أم اختلفت لأنها محفوظة معينة عند حفاظ مذاهبهم فيمكن عهدها. قلنا ذلك غير صحيح لأنه لو ظهر مجتهد جديد وأثبت أحكامًا تخالف من تقدمه لأطلق عليه فقيه وليسر ما قاله من المقدار
1 / 20