بسم الله الرحمن الرحيم (1) من الفاتحة ومن كل سورة، وعليه المختار عند جمهور الصحابة والتابعين وهو كونها مكية فقط واستدل على نزولها بمكة بقوله تعالى في سورة الحجر: ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين [الحجر: 87، 88] وقوله تعالى هذا مكي بالنص فإن ما قبله وما بعده إلى آخر السورة نازل في حق المشركين من أهل مكة وظاهر أن الله تعالى لم يمن على النبي صلى الله عليه وسلم بما سيؤتيه في المدينة، ويبعد أيضا أن يصلي عليه الصلاة والسلام بمكة بلا فاتحة الكتاب بضع عشرة سنة وقد فرضت الصلاة بمكة فقلنا بأنها مكية للدليل. قيل في سبب نزول هذه الآية أن عيرا لأبي جهل قدمت من الشام بمال عظيم وهي سبع قوافل ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينظرون إليها وأكثر الصحابة لهم عرى وجوع فخطر ببال النبي صلى الله عليه وسلم شيء لحاجة أصحابه فنزل قوله تعالى: ولقد آتيناك أي مكان سبع قوافل لأبي جهل سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم أي هذا أبو جهل لا ينظر إلى ما أعطيناك مع جلالة هذه العطية فلا تنظر إلى ما أعطيته وهو متاع الدنيا الدنية، ولما علم الله تعالى أن تمنيه لم يكن لنفسه بل كان لأصحابه قال: ولا تحزن عليهم وأمره بما يزيد نفعه على نفع المال فقال: واخفض جناحك للمؤمنين فإن تواضعك أطيب لقلوبهم من ظفرهم بما يحبونه من أسباب الدنيا.
قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم من الفاتحة) ذكر أن التسمية جزء من الفاتحة عند الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ومن وافقه من قراء مكة والكوفة وغيرهم إلا أنه لم يتعرض لأنها آية تامة من آيات الفاتحة أو بعض آية منها وإنما تكون آية تامة بما بعدها لاختلاف قول الإمام الشافعي في ذلك كما صرح به المصنف بعد هذا بقوله: «ومن أجلهما اختلف في أنها آية برأسها أو بما بعدها فالذي تقرر عليه قول الإمام الشافعي هو أن التسمية من الفاتحة إلا أن له قولين في أنها آية تامة منها أو بما بعدها ولم يذكر المصنف قول الإمام الشافعي في بسملة أوائل السور لتردد قوله فيها. ذكر النحرير التفتازاني أنه لا خلاف في أن التسمية بعض آية من سورة النمل، وإنما الخلاف في البسملة التي في أوائل السور فعند قدماء الحنفية أنها ليست من القرآن وأن تقييد التواتر في تعريف القرآن بقولهم: «بلا شبهة» احتراز عنها ولما لاح للمتأخرين منهم بالنظر إلى الأدلة أنها من القرآن قالوا: الصحيح من المذهب أنها آية واحدة من القرآن أنزلت للفصل والتبرك وليست بآية ولا بعض آية في شيء من السور فهي قرآن مستقل بمنزلة سورة قصيرة فصار محل الخلاف أنها آية واحدة غير متعلق بشيء من السور أو مائة وثلاث عشرة آية من مائة وثلاث عشرة سورة كما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وهو صريح في أن مذهب الإمام الشافعي أن التسمية آية من أول كل سورة
पृष्ठ 28