بالاستعاذة حث لمن ختم القرآن على أن يستعيذ بر به من وسوسة الشيطان ونفخه، وإشارة لطيفة إلى أن العود إلى بدئه أحمد. وأما إيجاده محكما متشابها ففي المحكم سهولة الاطلاع على المقصود مع طمأنينة قلب وثلج صدر، وفى المتشابه فوائد أشار إليها العلامة يعنى المصنف: منها ما في تقادح العلماء، وإتعابهم القرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات. وأما تفصيله سورا وسوره آيات فسيأتي في الكتاب أن فيه تنشيط القارئ واغتباط الحافظ وتلاحق الأشكال والنظائر إلى غير ذلك (قوله وما هي إلا صفات مبتدأ مبتدع وسمات منشأ مخترع) أشار به إلى أن هذه الصفات المذكورة للقرآن من كونه مؤلفا منظما، وكونه منزلا منجما، وصيرورته مفتتحا ومختتما، وانقسامه إلى متشابه ومحكم، وكونه مميزا مفصلا تدل على حدوثه لاستلزامه تركيبه من أجزاء يمتنع اجتماعها في الوجود، فالمتأخر عند وجود المتقدم معدوم، والمتقدم عند وجود المتأخر منتف، وكل واحد منهما حادث، لأن العدم ينافي القدم سابقا ولاحقا: وأيضا المتأخر مسبوق بعدمه المقارن لوجود المتقدم فهو حادث قطعا، والمتقدم لا يتقدمه إلا بزمان قليل، فيكون حادثا أيضا، وكذا المركب منهما. لا يقال الاستدلال بهذا الطريق يكفيه تركبه من الحروف والكلمات الممتنعة الاجتماع كما هو المشهور في الكتب الكلامية، فأي فائدة لسائر الأوصاف. لأنا نقول: قد سبق أن هذه الصفات كلها مسرودة، لكونها أوصافا كمالية للقرآن، مناسبة للإعجاز مقتضية للحمد عليه، فليس إثبات حدوث مقصود بالذات، ولذلك جعله جملة معترضة فلا استدراك، على أن الاستظهار في إثباته مطلوب عنده، فكأنه قال: لا يجتمع من القرآن مفرد مع مفرد، ولا جملة مع جملة، ولا ما نزل في حادثة مع ما نزل في أخرى، ولا فاتحة مع خاتمة، ولا متشابه مع محكم ولا سورة مع سورة، ولا آية مع آية، وفى ذلك مع رعاية تلك المقاصد مبالغة في ذكر الصفات المستلزمة للتحري، كما بالغ في اقتضائها الحدوث بقوله " وما هي " الخ. وقد وجه الكلام بأن دلالة الإنزال على الحدوث من حيث إن الحركة المكانية مختصة بالأجسام وما يحل فيها وهى حادثة اتفاقا، وأما دلالة سائر الأوصاف من حيث إنها مستلزمة للتركيب المستلزم للإمكان الذي يلزمه الحدوث بناء على امتناع تعدد القديم، ورد عليه بأن الخصم لا يساعده على أن كل ممكن حادث، ويجوز تعدد القدماء. ثم إن الاستدلال بهذه الصفات إنما هو على حدوث العبارات المنظومة رداء على الحنابلة ومن يحذو حذوهم حيث زعموا أنها قديمة قائمة بذاته، لا على القائلين بالكلام النفسي لاعترافهم بحدوث هذه العبارات ويسمونها كلاما لفظيا لكنهم يدعون أن هناك كلاما نفسيا قديما قائما به تعالى، ولا خفاء أن الصفات التي استدل بها على الحدوث مخصوصة بالقرآن اللفظي، ولا دلالة لها على انتفاء القرآن بمعنى الكلام النفسي، ومن حكم بأن قوله " وما هي إلا صفات " من قصر الصفة على الموصوف، فقد نظر إلى حاصل المعنى كأنه قال: محصول كلامه أن هذه الصفات مختصة بالحادث لا توجد في غيره، وكل ما يصوف بها كان حادثا، فالرد عليه بأنه من قصر الموصوف على الصفة دون العكس قصور على ظاهر مفهوم العبارة " المبتدأ " ماله بدء زمان: أي أول زمان وجود و " المبتدع " ما أخرج عن العدم بديعا أي ممتازا بنوع حكمة فيه. و " المنشأ " المحدث من النش ء، وهو الظهور والارتفاع " و " المخترع " ما روى تأنق وتعمل في إخراجه من العدم مأخوذ من الخرج بمعنى الشق، وإذا استعمل بالنسبة إليه تعالى ما يدل على تكلف وطلب يراد به ما يلزمه من كمال الصنع وجودة المصنوع لأنه تعالى منزه عن التروي والاعتمال (قوله فسبحان من استأثر بالأولية والقدم ووسم كل شئ سواه بالحدوث عن العدم) هذه
पृष्ठ 7