بسم الله الرحمن الرحيم قال جار الله العلامة، أحسن الله إكرامه في دار المقامة: " الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاما مؤلفا منظما) دل بلامي الجنس والملك على اختصاص الحمد به تعالى، ثم وصفه بإنزال القرآن وتنزيله، وما أردفهما به رعاية لبراعة الاستهلال، وتنبيها على أنه نعمة جزيلة تستحق أن يحمد عليها، وذكر للقرآن أو صافا كمالية تناسب إعجازه الذي سيصرح به، ويشد من أعضاد كونه نعمة محمودا عليها ولما كانت هذه الصفات تدل على حدوثه كما هو مذهبه، وكان معتنيا بإظهاره ومفتخرا به، أشار إليه بجملة اعتراضية، ونبه أن الحدوث إنما لزمه لتنزه ذاته سبحانه عن الشركة في صفة القدم لا لنقصان فيه، وهذه جمل من مقاصده سترد عليك تفاصيلها وبالله التوفيق.
(قوله أنزل) يروى أنه وقع في أم النسخ خلق مكان أنزل ثم غيره المصنف، فإن صح ذلك فالتغيير لفوائد:
الأولى: أن الخلق إذا نسب إلى ما هو جنس القول فقد يراد به معنى الاختلاق، يقال خلق هذا الكلام واختلقه:
أي افتراه، فلا يحسن استعماله في هذا المقام وإن أريد به معنى آخر. الثانية: أن كون القرآن حادثا أمر شنيع عند الخصم، فأراد أن يكتمه أولا ثم أن يظهره بعد سوق مقدمات مسلمة عنده ومستلزمة للحدوث في نفس الأمر، فإن ذلك أقوى في استدراجه إلى التسليم من حيث لا يشعر به. الثالثة: الاحتراز عن التكرار، إذ قد حكم فيما بعد بحدوثه. الرابعة: أن الإنزال أدخل في كون القرآن نعمة علينا وأقرب إلينا لتأخره عن الخلق. الخامسة: أن الحمد على إنزاله وارد فيه دون الحمد على خلقه. السادسة: أن " أنزل " أحسن التئاما مع نزل لما بينهما من الصنعة الاشتقاقية.
السابعة: أن في الجمع بين الإنزال والتنزيل إشارة إلى كيفية النزول على ما روى من أن القرآن أنزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وأمر السفرة الكرام بانتساخه، ثم نزل إلى الأرض نجوما في ثلاث وعشرين سنة، وذلك
पृष्ठ 3