فصل
فالغفلة والشهوة أصل الشر، قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨]، والهوى وحده لا يستقل بفعل السيئات إلا مع الجهل، وإلا فصاحب الهوى إذا علم قطعًا أن ذلك يضره ضررًا راجحًا، انصرفت نفسه عنه بالطبع؛ فإن الله تعالى جعل في النفس حبًا لما ينفعها، وبغضًا لما يضرها، فلا تفعل ما تجزم بأنه يضرها ضررًا راجحًا، بل متى فعلته كان لضعف العقل.
ولهذا يوصف هذا بأنه عاقل، وذو نُهَى، وذو حِجَى.
ولهذا كان البلاء العظيم من الشيطان، لا من مجرد النفس؛ فإن الشيطان يزين لها السيئات، ويأمرها بها، ويذكر لها ما فيها من المحاسن التي هي منافع لا مضار، كما فعل إبليس بآدم وحواء، فقال: ﴿يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾ [طه: ١٢٠، ١٢١]، وقال: ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠] .
ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٣٦، ٣٧]، وقال تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا﴾ [فاطر: ٨]، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ
1 / 61