يوم القيامة، والاعتبار بقصة فرعون ما هو خير عام، فانتفع بذلك أضعاف أضعاف من استضر به، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ﴾ [الزخرف: ٥٥] وقال تعالى بعد ذكر قصته: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾ [النازعات: ٢٦] .
وكذلك محمد ﷺ، شقي برسالته طائفة من مشركي العرب وكفار أهل الكتاب، وهم الذين كذبوه، وأهلكهم الله تعالى بسببه، ولكن سعد بها أضعاف أضعاف هؤلاء.
ولذلك من شقي به من أهل الكتاب كانوا مبدلين محرفين قبل أن يبعث الله محمدًا ﷺ فأهلك اللّه بالجهاد طائفة، واهتدى به من أهل الكتاب أضعاف أضعاف أولئك.
والذين أذلهم الله من أهل الكتاب بالقهر والصَّغَار [أى: الذل والهوان]، أو من المشركين الذين أحدث فيهم الصغار، فهؤلاء كان قهرهم رحمة لهم؛ لئلا يعظم كفرهم، ويكثر شرهم.
ثم بعدهم حصل من الهدى والرحمة لغيرهم ما لا يحصيهم إلا الله، وهم دائمًا يهتدي منهم ناس من بعد ناس ببركة ظهور دينه بالحجة واليد.
فالمصلحة بإرساله وإعزازه، وإظهار دينه، فيها من الرحمة التي حصلت بذلك ما لا نسبة لها إلى ما حصل بذلك لبعض الناس من شر جزئي إضافي، لما في ذلك من الخير والحكمة أيضا؛ إذ ليس فيما خلقه الله سبحانه شر محض أصلا، بل هو شر بالإضافة.
1 / 52