وكما قال أهل القرية للمرسلين: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ [يس: ١٨]، وكما قال الكفار من ثمود لصالح ولقومه: ﴿اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ﴾ [النمل: ٧٤]، فكانوا يقولون عما يصيبهم من الحرب، والزلزال والجراح والقتل، وغير ذلك مما يحصل من العدو: هو منك؛ لأنك أمرتنا بالأعمال الموجبة لذلك. ويقولون عن هذا، وعن المصائب السمائية: إنها منك، أي: بسبب طاعتنا لك واتباعنا لدينك، أصابتنا هذه المصائب، كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ [الحج: ١١] .
فهذا يتناول كل من جعل طاعة الرسول، وفعل ما بعث به مسببًا لشر أصابه، إما من السماء وإما من آدمي، وهؤلاء كثيرون.
لم يقولوا: ﴿هَذِهِ مِنْ عِندِكَ﴾ بمعنى: أنك أنت الذي أحدثتها؛ فإنهم يعلمون أن الرسول ﷺ لم يحدث شيئا من ذلك، ولم يكن قولهم: ﴿مِنْ عِندِكَ﴾ خطابًا من بعضهم لبعض، بل هو خطاب للرسول ﷺ.
ومن فهم هذا تبين له أن قوله: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ لا يناقض قوله: ﴿كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ﴾ بل هو محقق له؛ لأنهم هم ومن أشبههم إلى يوم القيامة يجعلون ما جاء به الرسول، والعمل به سببًا لما قد يصيبهم من مصائب، وكذلك من أطاعه إلى يوم القيامة.
وكانوا تارة يقدحون فيما جاء به، ويقولون: ليس هذا مما أمر الله به، ولو كان مما أمر الله به لما جرى على أهله هذا البلاء.
1 / 33