हसद फलसफी
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
शैलियों
38
إن محاولة رورتي التي تتبعناها فيما سبق للتخلص من الصور المرآوية في تاريخ الفلسفة أو من فكرة المعرفة كمرآة جعلته يستخدم كلمة التلاؤم أو التوافق مصحوبة بحرف الجر «مع»
coping with
التي لا يقصد بها التلاؤم مع شيء محدد، بل التلاؤم المفتوح على إمكانات كثيرة كالتلاؤم أو التوافق مع النفس ومع الآخر، ومع المشكلات، أو مع التجربة والعالم. وربما يكون الهدف من فكرة «المعية» - التي تحمل دلالات الأنصار أو الاندماج أو الارتباط المباشر بالموضوع - هو تجنب التفرقة الثنائية الشهيرة في تاريخ الفلسفة بين الذات والموضوع، والعارف والمعروف، والظاهرة والشيء في ذاته. وعملية التلاؤم مع غير المألوف مهمة شاقة وعسيرة تتطلب منا استحداث أدوات ومفردات جديدة، ونماذج إرشادية جديدة، واستعارات جديدة، ونظريات واعتقادات لم يفسح لها المجال بعد. ويعتبر رورتي أن الكتابة هي أحد العوامل الأساسية التي تساعدنا على التلاؤم، وإن كان يرفض تصنيف الكتابة إلى أجناس مختلفة (أدبية أو فلسفية ... إلخ)، وينظر إلى كل كتابة إبداعية على أساس أنها نوع من الأدب بما في ذلك الأعمال الفلسفية، وربما تكون حجته في هذا هي اختفاء الحدود الفاصلة بين النظم المعرفية في عصرنا، وتداخل هذه النظم في بعضها البعض يقلل من شأن التصنيف الحاد لأجناس الكتابة. وسواء اتفقنا أو اختلفنا معه في الرأي المثير للجدل والخلاف، فإن الكتابة هي أحد أشكال الإبداع البشري التي تساهم بشكل فعال في عملية تلاؤم الإنسان أو توافقه مع نفسه ومع العالم والتجربة. (2-3) استبدال إبداع-الذات بالوعي-الذاتي
يتضح من كل ما سبق رفض رورتي للمعرفة التقليدية التي تتم بين ذات عارفة موضوع للمعرفة، بل وذهابه إلى أبعد من هذا عندما وصف الوعي - الذاتي في التراث الديكارتي بأنه نوع من خداع - الذات. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد أن يثور السؤال. كيف يمكن إذن معرفة الذات؟ إنها في رأي رورتي معرفة تتم عن طريق إبداع - الذات ولكن كيف يمكن أن يكون إبداع - الذات نوعا من المعرفة؟ وما الهدف منها؟ وكيف تتم؟
يتفق رورتي مع فرويد في اقتناعه بأن الإبداع الذاتي هو الذي يميز الكائنات البشرية عن غيرها من الكائنات الأخرى، كما يتفق معه أيضا في إعطائه العوامل العرضية أهمية خاصة في عملية إبداع - الذات. إن صنع أو إبداع - الذات هو صراع إنساني هدفه تدبير وسيلة للوجود، وإضفاء المعنى والقيمة عليه. فالإنسان ليس جوهرا أو ماهية ثابتة سابقة التجهيز، بل إن «حياة الإنسان تشبه قصيدة غير منتهية»،
39
كما أن شبكة اعتقاداته ورغباته وآماله وطموحاته لا يمكن أن تكون مسيرة مكتملة بشكل نهائي. إن اعتقادات ورغبات ومصالح وسلوك الكائنات البشرية تسمح بالتغيرات والتقلبات التي لا يمكن التنبؤ بها، فكما «أن معرفتنا عن العالم تتغير في ضوء الإسهامات العرضية للغتنا المتغيرة، كذلك يتغير مفهومنا عن أنفسنا.»
40
وليست الذات الإنسانية مجموعة محكمة من الملكات - كما هي عند كانط - ولكنها تتشكل أيضا من العديد من العرضيات والمصادفات والمواقف غير المتوقعة أو المتنبأ بها. وهذه الصدفة أو هذه العرضية ليست على مستوى الكائنات البشرية فحسب، بل هي أيضا على مستوى العالم كما يؤكد وليم جيمس: «إن تشبثت بعالم كامل الصنع، فإني لا أزال أعتقد أن عالما به صدفة أفضل وأحسن من عالم خال منها»؛
अज्ञात पृष्ठ