हसद फलसफी
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
शैलियों
19
وإذا كانت هناك «فئتان من الأفعال تتميزان بالعقلانية إحداهما تستخدم الوسائل الملائمة لتحقيق الأهداف العقلية المختارة، والثانية تستعين بوسائل مشابهة لإشباع قيم مطلقة وأهداف أخلاقية»،
20
فإن العقل مسئول عن هذا الاختيار، أي إن مهمته تكمن في اختيار وتدبير الوسائل للسلوك العقلاني الهادف المحسوب. فالاختيار المعياري كما بين فيبر «لا يعتمد فحسب على الاعتبارات التقنية المستخدمة منه للوصول إلى أهداف معينة ، بل إن الاختلاف حول المعايير أمر ممكن وضروري، وهو كامن في طبيعة هذه المعايير المستخدمة لمناقشة مثل هذه المسائل. والقول بأن مثل هذا الاختلاف في الآراء يمكن أن يسوى تسوية نهائية، هو قول متناقض »،
21
لذلك كانت مهمة الاختيار بالغة الصعوبة، وتفوق طاقة البشر، وقد تجرفهم إلى اللاعقلانية كما نرى اليوم في الأزمات التي تواجهها البشرية نتيجة التطور المذهل في التقنية.
وقد تابع ماكس فيبر المعركة الدائرة بين الفريق الذي يوجه العلم لهدف محدد، والفريق الذي يحيط الفعل بهالة سحرية، بين الصرامة والأصالة في الحياة العقلية والسياسية. لقد كان عقلانيا تجريبيا، ولكنه يرفض تجريد العلم من سحره، وكثيرا ما كان يشكو من أن العقلانية نزعت كل أستار السحر التي تحيط بالمعرفة، أي إنها عقلانية جافة وليست عقلانية إنسانية بالقدر الكافي، ولم تضع في اعتبارها العلاقة الحميمة بين الإنسان والطبيعة. إن العقلانية التي كانت غايتها تحرير الإنسان قد وضعته في زنزانة خانقة واستعبدته بدلا من أن تحرره. ولقد أدرك فيبر - على الرغم من إيمانه بتجريبية العلم - أخطار العقلانية العلمية، ولكنه أبرز الفارق الكبير بين تحديد الأهداف والوسائل عن طريق العلم وبين الأصالة السياسية التي تنطوي على هالة سحرية. ولذلك هاجم ماركيوز في مؤتمر هايدلبرج عام 1965م، ما اعتبره الجانب السلبي في فلسفة فيبر كعالم اجتماع تجريبي، واتهمه بأنه يدعم الوضع القائم، وفي هذا تناقض مع كونه سياسيا إلى جانب كونه اجتماعيا، ولكن ماركيوز أغفل بلا شك أن فيبر برغم عقلانيته وإيمانه بتجريبية العلم كان يتخوف من التغير المفزع الذي تحولت به الوسائل الاقتصادية والتقنية إلى غايات في ذاتها بعد أن كانت في الأصل تستهدف تحرير الإنسان، «فالتغيير الذي يتم بوسائل اقتصادية وتقنية كان غايته تحرير البشر، وقد كان يأمل - كما يقول - لاندمان أن يتحطم هذا السجن الاقتصادي التقني في الثورة الروسية عام 1905م، ولكن لم يحدث هذا مما جعله يتساءل: أيهما يلوح في أفق المستقبل: ميلاد جديد أم تحجر آلي؟»
22
وسادت في مطلع القرن العشرين بدايات اتجاه نقدي ارتبط إلى حد كبير بالفكر الماركسي، وأخذ منه فهمه النقدي التحليلي للواقع، فكانت أفكار كل من جورج لوكاتش وارنست بلوخ تمهيدا لميلاد تيار نقدي أكثر تنظيما فيما بعد، وهو ما أطلق عليه اسم «النظرية النقدية». وقد استمر نقد العقلانية الغربية - كما تمثلت في العلم والتقنية والحضارة الرأسمالية والصناعية الحديثة - من وجهة نظر ماركسية متزمتة عند جورج لوكاتش (1885-1971م) الذي انطلق في مقولته عن التشييء (وهو الأساس الموضوعي للشعور الذاتي تشييء بالاغتراب) من المقولات الماركسية عن الاغتراب، وهي التي ترى أن العقلانية الاقتصادية للنظام الرأسمالي أدت إلى «تشييء» الإنسان، وجعله جزءا خاضعا لقوانينه الآلية، أي جزءا من عملية الإنتاج لا طرفا فيه. «هذه العقلانية لم تحرر الإنسان بل «شيأت» علاقاته بكل الأشياء من حوله، وكان ذلك نتيجة ضرورية للتشذر وانفصال الأجزاء عن الكل المعاش.»
23
अज्ञात पृष्ठ