हसद फलसफी
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
शैलियों
33
والتي تعني أن الطبيعة لها قيمة باطنة في ذاتها، وإن كانت واجباتنا ناحيتها غير مباشرة؛ لأننا إذا دمرنا الطبيعة، فهذا يعني تدمير طبيعتنا البشرية ذاتها التي هي جزء من الطبيعة ككل.
والواقع أن التاريخ قد أثبت صدق فكرة كانط - بدون أن نشغل أنفسنا بالحاملين للاعتبار الأخلاقي عنده - عما يعنيه تدمير البيئة الطبيعية من تدمير للطبيعة البشرية ذاتها. ومما لا شك فيه أن المشكلات البيئية المعاصرة التي نجمت عن سوء استغلال الإنسان للبيئة ومواردها الطبيعية قد تمخض عنه تدمير مقومات الحياة الإنسانية ذاتها. أضف إلى ذلك المخاطر التي أصبحت تهدد كوكب الأرض، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في علاقتنا بهذا الكوكب الذي تتوقف عليه حياتنا؛ لأن البشرية «منذ فجر التاريخ تواجه حقيقة مفادها أننا نعيش على الكوكب الوحيد الذي يستطيع أن يعول الحياة.»
34
ويفسر هذا علاقة التبعية المتبادلة بين البشر وكوكب الأرض، وكيف انعكست عواقب النشاط البشري على البيئة الطبيعية، وكيف أثرت التغيرات الطبيعية بدورها على المجتمع البشري.
يبدو مما سبق أن إدراك القيمة الباطنة في البيئة الطبيعية ينصب على كوكب الأرض، ربما لأن الأنظمة الأرضية لها نوع من التميز والتفرد لارتباطها بالحياة الإنسانية التي نشأت فوقها، وربما لا تكون الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يحتوي على أشياء لها قيمة، ولكنها بغير شك الكوكب الوحيد الذي نعلم حتى الآن أن به بيئة ومجالا حيويا وحياة عضوية تسمح بالحياة عليه، ولكن تقييم الإنسان للأرض عادة ما يكون تقييما أداتيا وفق مصلحته الذاتية، ومن منطلق أن الأشياء والأحداث الطبيعية تسهم في إشباع الرغبات والمصالح الإنسانية. ولذلك فإن الاعتقاد بأن للأرض قيمة باطنة يبدو كأنه نوع من البرهنة على المحال؛ فالأرض ليس لها قيمة في حد ذاتها، ولكنها استمدت هذه القيمة من اندماجها في نظام بيئي متكامل سمح بنشأة الإنسان من جزئها العضوي، وظهر على سطحها عندما أثمرت الأرض أكثر ثمراتها تعقيدا وهو الإنسان العاقل. كما أنها - أي الأرض - لم تستمد قيمتها من ارتباط تاريخها الطبيعي بالتاريخ البشري الذي جاء متأخرا عنها بآلاف السنين. بهذا المعنى فإن البرهنة على القيمة الباطنة للأرض ونظامها البيئي ليس نوعا من البرهنة على المستحيل، لكن ماذا بعد أن أثبت العلم أن الكونيات الحديثة برهنت على أننا نحيا في كون لا نهائي لا مركز له أو محيط؟ وبعد أن أصبح واضحا «أننا لا نسكن في مركز متميز من الكون، بل في كوكب ضئيل على أطراف مجرة متواضعة تضم مائة ألف مليون مجرة على الأقل في القطاع الذي نسكنه من الكون، أو ما يعرف بالكون المنظور أو المرصود؛ إذ لا يمكننا أن نلم بحجم الكون كله.»
35
فهل يحق لنا الآن أن نعطي كل هذه الأهمية لكوكب الأرض وهو مجرد جزء ضئيل من الكون اللانهائي؟ وهل يوجد في الكون جزء له أهمية أكثر من أي جزء آخر؟ إذا صح ما سبق قوله بأن كل ما يوجد لذاته، وينشأ ويستمر بشكل مستقل، وبدون الاعتماد على شيء آخر، له قيمة باطنة، فكل ما في الكون ينطوي على قيمة داخلية أو كامنة فيه.
ولكن الأرض ومجالها الحيوي هي الكوكب الوحيد الذي يوفر أو تتوافر فيه بيئة صالحة للحياة، وهذه البيئة ليست مجرد نظام بيئي، بل مجموعة ضخمة من النظم البيئية التي تتداخل فيها الطبيعة الحية وغير الحية، ولا تبدو الطبيعة «كركام تنتشر داخله أنواع عديدة منهمكة في التنافس بضراوة أو يلتهم بعضها البعض الآخر، بل كمكان رمزي منظم وعامر بالمعاني التي تتيح لكل نوع إمكانية الحياة في أحسن ظروف ممكنة»،
36
अज्ञात पृष्ठ