हसद फलसफी
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
शैलियों
وإذا كان الماضي قد أدى دورا خطيرا في إضعاف الجنس البشري، فقد حدد نيتشه الوسيلة المثالية - في رأيه - للتعامل مع هذا الماضي أو مع ذلك التاريخ: «إن أفضل ما نفعله هو مواجهة تراثنا وطبيعتنا الموروثة بمعرفتها، ومن خلال طبيعة أخرى جديدة، نفجر الصراع المنظم ضد ميراثنا الفطري أو الموروث، ونغرس في أنفسنا عادات جديدة، غريزة جديدة، طبيعية جديدة تطرح طبيعتنا الأولى بعيدا.»
26
هكذا يدعونا نيتشه إلى التعامل بقسوة مع الماضي الذي نحن نتاج له، فنحن نتاج جرائم الأجيال السابقة وحصيلة أخطائها. وعلى الرغم من أن هذا واقع لا يمكن تغييره، فإن بإمكاننا أن نعيد تفسير ماضينا بشكل نقدي، وأن نبدع تاريخا آخر بديلا نبتكره نحن بأنفسنا بخلق طبيعة أخرى للجنس البشري.
ويعد هذا النوع الثالث من التاريخ - أعني التاريخ النقدي - أصلح أنواع التاريخ لتعزيز الحياة، وهو الذي يحاكم الماضي وينقده ويستمد منه أفضل إمكاناته وعناصره ليطورها في الحاضر، ولينطلق بها إلى المستقبل. ويدعو نيتشه كل من يمارس التاريخ النقدي أن يخلق طبيعة جديدة إذا أراد تأكيد الحياة وتعزيزها. وقد كان نيتشه على وعي بما قد يثيره قوله هذا من التساؤلات أو - إذا تحرينا الدقة - من المخاوف حول تلك الطبيعة الثانية، التي قد يفهم منها أنها طبيعة تابعة للأولى؛ ولذلك يسارع بتبديد تلك المخاوف بقوله: «لهؤلاء الذين يستخدمون التاريخ النقدي من أجل الحياة، هناك شيء جدير بالملاحظة وهو معرفة أن هذه الطبيعة الأولى كانت في يوم ما طبيعة ثانية، وأن كل طبيعة ثانية منتصرة ستصبح طبيعة أولى.»
27
ولكن إذا كان نيتشه يحثنا على ممارسة التاريخ النقدي الذي يحاكم الماضي ويدينه ويدمره لخلق تاريخ جديد، فإن خطورة استخدام التاريخ سواء كان تذكريا أم عتيقا أم نقديا تكمن في أنه يظل دائما مرتبطا بالماضي، وكأن مشكلة التاريخ تتلخص في كيفية التعامل مع الماضي؛ فكيف إذن يرتبط الوجود التاريخي بالماضي؟ إن ما يعني نيتشه من الماضي هو تأثيره على الوجود التاريخي وليس الزمان الذي مضى ويتعذر رجوعه. أي أن المشكلة تتحول إلى علاقة التاريخ بالحياة، فكيف يرتبط كل منهما بالآخر؟ يؤكد نيتشه في تأمله الثاني في كتابه «تأملات في غير أوانها» على الطبيعة التاريخية واللاتاريخية معا، وضرورة كليهما لصحة الحياة والفرد والشعب والثقافة، ولكن كيف يعيش الإنسان بشكل تاريخي وغير تاريخي في آن واحد؟ (1-2) المفارقة التاريخية عند نيتشه
قبل أن نتكلم عن المفارقة التاريخية عند نيتشه، لا بد أن نتوقف عند مفهوم المفارقة نفسه
paradox ، وهي كلمة مشتقة من الكلمتين اليونانيتين
para (أي ضد)
doxa (أي الرأي أو الظن)، والكمة تعني في مجموعها ما يكون ضد المسلم به والمعتقد فيه أو المنتظر. أما المفارقة في المنطق فتعني العبارة غير الواضحة بذاتها، وإن كانت تعبر عن حقيقة ما عكس المتوقع منها. وقد آثرنا استخدام مفهوم المفارقة في الحديث عن فلسفة نيتشه لما تعنيه الكلمة من معنى ما وراء العقل أو متجاوز للعقل. ويجب ألا يجزع القارئ من هذه المفارقة، فعندما نتحدث عن فيلسوف مثل نيتشه، فإننا لا نستطيع أن نفهمه من خلال المفاهيم والتصورات العقلية المألوفة في تاريخ الفلسفة، ولا أن نتعامل مع أفكاره من خلال قواعد وقوانين المنطق؛ لأن نيتشه فيلسوف لم يعتكف - كسائر الفلاسفة - في برج عال ليصوغ نظرية فلسفية أو نسقا فكريا، بل عاش الفلسفة وتألم بها، وكتب بقلم شاعر وتحدث بصوت نبي، مبشرا بحضارة جديدة وتاريخ جديد وإنسان جديد، فلا عجب إذن أن تتسم كتاباته بالمفارقات وهو صاحب العبارة الشهيرة: «العالم تناقض كبير.»
अज्ञात पृष्ठ