كان على الموكب أن يخترق هذه الأكوام إلى بيت أحمد، فتقدم عبد الهادي وتبعته درية ففاطمة، وما إن توسط هذا الطابور أكوام السماد حتى تواثب على ثلاثتهم ثلاثة شخوص ملثمين بينما وقف رابع يرقبهم، ويضع كل من الثلاثة إحدى يديه على أفواه كل من عبد الهادي ودرية وفاطمة، ويضعون في جنب كل منهم مسدسا، وتتم العملية في ومضة عين، ثم يقول الشخص الرقيب وهو ملثم: كلمة واحدة أو صوت تنطلق هذه المسدسات جميعا، هيا تحركوا معنا. سترتفع الأيدي عن أفواهكم، فحذار أن يسمع لكم صوت.
ويسير الجمع اثنان يتبعان اثنين آخرين، وفي آخر الطابور المزدوج يسير كمال.
ويخترق الموكب الطريق الزراعي المحفوف بالذرة، ويبلغ الطريق الرئيسي الذي يتفرع إلى طريقين أحدهما إلى المدينة والآخر إلى المحطة، فيميلون إلى طريق المحطة، ثم ما يلبثون أن يعبروا الطريق إلى الصحراء، وما هي إلا خطوات قليلة، حتى يبلغوا كثيبا ضخما من الرمال يدورون حوله فيطالعهم كوخ كبير، ويقف كمال على بابه ويقول لعبد الهادي وفاطمة: اذهبا أنتما إلى العمدة وقولا له إن ابنته لن ترجع إليه حتى يغير أقواله التي قالها في المحضر، فإما أن يبرأ منصور أو تموت الابنة.
وتشهق فاطمة، فيعود كمال إلى الحديث وقد غير اللثام صوته: اخرسي، اذهبي واحذري أن يصدر عنك صوت أو كلمة حتى تبلغي العمدة، احذري وإلا فأنت تعرفين ما يمكن أن نفعله ... هيا.
وتجر فاطمة عبد الهادي ويسيران طريقهما إلى العودة، بينما يدخل كمال إلى الخص فيخرج منه حصانه فيركب ويضع درية أمامه ويركب الآخرون خيولهم وتركض بهم الخيل إلى المغارة.
يدخل كمال ودرية إلى المغارة المظلمة فيضيء مصباحا ، ويكبل درية بالحبال ويضع على فمها منديلا، ويخرج إلى إخوانه فيسأله الزهار: هيه، أننام جميعا هنا؟ - هل جننت؟! أما كفانا أننا لم نذهب إلى المأتم اليوم؟ لا بد لكم أن تظهروا في القرية الليلة وتناموا في بيوتكم.
فيقول الكحلة: ومن يحرسها إذن؟
فيقول كمال: أنا أحرسها، فإن أحدا لن يبحث عني، اذهبوا أنتم وأبقوا على المسدسات معكم حتى مساء الغد، وتعال أنت يا نور في الصباح لتتولى حراستها وأحضر لنا معك بعض الطعام. - لماذا؟ ألم تحضر وطنية طعاما؟ - لا لم أطلب إليها أن تفعل؛ لأني لم أخبرها بعملية الليلة. - وهو كذلك، السلام عليكم.
ويمضي القوم بعد أن يودعوا المغارة خيولهم التي استخدموها لأول مرة، والتي ملأهم الزهو باستخدامها، ولولا أن كمالا خشي أن تعيقهم درية في المسير فيبطئوا ويلحق بهم أهل القرية لما استخدموا الخيل في ليلتهم تلك، فقد كانت معدة للعمليات خارج القرية لا داخلها.
مضى القوم، وجلس كمال على باب المغارة يفكر في أمره وأمر درية ويتيح بجلوسه لدرية أن تسترد أنفاسها اللاهثة ونفسها الجازعة، لقد طالما تمنى أن يخلو إلى درية، ولكنه لم يتمن أن تكون الخلوة ناتجة عن اختطاف، وقاصدة إلى تهديد ...
अज्ञात पृष्ठ