युद्ध और शांति
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
शैलियों
وأخرجت من حقيبة يد ضخمة قرطين ذهبيين مصنوعين على شكل إجاصة، فأعطتهما لناتاشا التي طغى البشر على وجهها، فأشرق واصطبغ بحمرة السرور والفرح، ثم استدارت تخاطب بيير مضفية على صوتها نبرة مرحة لا تتفق مع لهجته: آه! تعال هنا أيها الباسل، تعال إلي أيها العزيز.
وشمرت عن كميها بحماسة وحمية، وعادت تخاطب بيير، الذي خطا نحوها بضع خطوات، وهو ينظر إليها ببراءة خلال نظارتيه: اقترب، اقترب أيها الباسل القوي! لقد كنت الوحيدة التي قالت لأبيك كل حقائقه عندما كان في أوج جبروته وسلطته، فلا تنتظر مني أن أرتبك في حضرتك.
وصمتت صمتا لم يجرؤ أحد على قطعه؛ لأن الموجودين أدركوا من سياق حديثها أن ما فاهت به حتى الآن ليس إلا استهلالا لما بعده.
أردفت بسلاطتها تقول: يا للفتى الوديع! لعمري إنه أمر مخجل. إن أباه على فراش الموت، والسيد يلهو ويعبث ، ويتسلى بشد وثاق ضباط البوليس إلى ظهور الدببة! إنه مخجل، يا فتاي! مخجل. يستحسن أن تنخرط في الجندية.
وأدارت له ظهرها، وقدمت ذراعها إلى الكونت الذي كان يجد صعوبة في كتم ضحكته.
قالت مستطردة: حسنا، لقد أزفت ساعة الطعام، ألا تعتقد؟
سارت مع الكونت في الطليعة، تتبعها الكونتيس متأبطة ذراع زعيم في الجيش، وهو شخصية لها خطورتها؛ لأن نيكولا كان سيلتحق بفيلقه تحت إمرته. وجاءت آنا ميخائيلوفنا برفقة شينشين، وبيرج مع فيرا، بينما كان نيكولا يرافق جولي كاراجين، التي كانت مشرقة الوجه بالابتسام، وتبعتهما أزواج أخرى على طول قاعة الرقص. أما الأولاد ومعلموهم والمربيات، فقد جاءوا في نهاية الرتل دون ترتيب ولا انسجام، وهرع الخدم وصدحت الموسيقى، بينما أخذ المدعوون أمكنتهم وسط ضجيج المقاعد الذي أعقبه السكون، ولم تلبث أصوات الملاعق والسكاكين ولغط الحديث أن غطى أصوات الموسيقى، وطغى على صوت خطوات الخدم الخفيفة، وهم يهرعون في غدوهم ورواحهم، وفي الطرف الأقصى من المائدة جلست الكونتيس، وإلى يمينها ماري دميترييفنا، بينما جلست آنا ميخائيلوفنا وبقية السيدات إلى يسارها. أما في الجانب الآخر، فقد كان الكونت قابعا إلى يسار الزعيم ويمين شينشين والرجال الآخرين، وكان الشبان والفتيان الصغار يشغلون وسط المائدة - فيرا إلى جانب بيرج وبيير إلى جانب بوريس - بينما في الجانب الآخر، احتشد الأطفال مع معلميهم ومربياتهم، وكان الكونت لا يفتأ يملأ أقداح جيرانه بالأنبذة، دون أن ينسى نصيبه منها، وهو ينقل طرفه بين حين وآخر إلى زوجته وقلنسوتها المرتفعة ذات الأشرطة الزرقاء السماوية، التي تنعكس خلال زجاج الأواني البلورية المرتبة على المائدة، وكانت الكونتيس بدورها تلقي نظرات حافلة بشتى المعاني إلى وجه زوجها عبر المائدة، متخطية ثمار الأناناس، دون أن تنسى واجباتها كمضيفة لبقة.
كانت جمجمة زوجها ووجهه المتضرجين يبدوان لها متنافرين مع لون شعره الأشهب، وكانت الأصوات في ركن السيدات خافتة رتيبة، على عكس ركن الرجال، الذي كان النقاش فيه يحتدم أكثر فأكثر، يعلو فيه بصورة خاصة صوت الزعيم الذي كان يشرب الأقداح دون مزج، ويأكل بنهم وشهية اتخذهما الكونت أمثولة طلب إلى مدعويه الاحتذاء بها. وكان بيرج - وعلى فمه ابتسامة حانية - يفسر لفيرا طبيعة الحب؛ تلك العاطفة السماوية التي لا علاقة لها بالأرض، بينما كان بوريس يطلع صديقه الجديد بيير على أسماء المدعوين، وهو يتبادل النظرات المختلسة مع ناتاشا الجالسة قبالته، وكان بيير يتفحص كل هذه الوجوه الجديدة، ويتحدث قليلا ويأكل كثيرا، حتى إنه لم يستبعد من قائمة الطعام الحافلة إلا لونا واحدا فقط، ولم يرفض لونا من الخمر، مما كان رئيس الخدم يقدمه من زجاجته الملفوفة بالمنشفة، فكان يصغي بغموض إلى أسماء الأنبذة المقدمة: «دري مادير، توكاي، نبيذ الرين ... إلخ.» وكان أمام كل مدعو أربعة أقداح من البلور النقي، تحمل شعار الكونت، وقد أعدت لأربعة أنواع مختلفة من الخمور، فكان بيير يقدم لرئيس الخدم أول كأس تقع عليه يده، فيملؤها هذا له ليفرغها في جوفه بحبور واضح، ويعود إلى تصفح وجوه المدعوين بنظرة تزداد التماعا. وكانت ناتاشا - وهي تجلس قبالته - تنظر إلى بوريس كما تنظر الفتيات في سن الثالثة عشرة إلى الشاب الذي يعتقدن أنهن يعشقنه، والذي تبادلن معه قبلتهن الأولى، فكانت إحدى تلك النظرات تهيم ضائعة؛ لتتوقف على بيير، الذي كان يحس برغبة في الضحك، دون أن يدري له سببا، كلما وقع عليه نظر تلك الفتاة المنتعشة اليقظى بوجهها الناطق الضاحك.
وتشاء الظروف أن يكون نيكولا بعيدا عن سونيا، يتحدث مع جولي كاراجين، وعلى وجهه تلك الابتسامة المغتصبة. وعلى الرغم من أن سونيا كانت تتظاهر بالابتسام هي الأخرى، فإن الغيرة كانت تنهشها، فكانت تشحب وتحمر طورا فطورا، وتحاول التقاط نتف من حديثهما. أما المربية فكانت تحضن الأطفال بنظرة قلقة، وهي على استعداد للانقضاض على أي منهم، إذا جرؤ على مقاومة رغبتها. وكان المعلم الألماني يحاول - بمشقة كبيرة - أن ينقش على لوح ذاكرته أسماء الأطعمة والخمور التي تقدم على المائدة؛ ليتسنى له وصف كل ذلك بأدق تفاصيله في رسالته المقبلة التي سيرسلها إلى ذويه في ألمانيا. فلما مر رئيس الخدم وراءه، حاملا زجاجته الملفوفة بالمنشفة، دون أن يصب في قدحه منها، شعر بجرح في كرامته؛ لأنه أسيء فهمه، فهو ما كان يريد الخمر لإرواء عطشه أو لإشباع جشعه، بل إنه كان يود تذوق كل الأنواع؛ إرضاء لرغبة الاطلاع في نفسه وزيادة معلوماته!
الفصل التاسع عشر
अज्ञात पृष्ठ