وتجهم وجه شمس الدين فقال: كيف أقبل تكريم أناس أعلم أنهم يكرهونني؟ - كلا لا أحد يكره العدل، ولكنهم يرغبون في تصفية الجو. - إنه لن يصفو بالألاعيب، وإني أخمن أن عندك الكثير فهات ما عندك. فتحرج محمود قطائف مليا، ثم قال: إنهم يقولون إن جميع الناس يتمتعون بالعدل والكرامة عدا الأعيان وأصحاب النشاط الحقيقي، فهل هذا من العدل؟!
ها هي جيوش الظلام تتحرك. تريد أن تطمس قبسات النور في زوايا الحارة وأزقتها. يتوهمون أن شمس الدين صبي يافع تخلب لبه الزينة كما تخلب لب أمه الجميلة. فارفع عصا عاشور العجراء واهو بها على نبضات الفتنة والغرور والإغراء.
وتساءل بخشونة: ألا يعيشون في أمان وراحة بال؟ - حلمك يا معلم، لم لا تؤخذ الإتاوات إلا منهم؟ - هم وحدهم القادرون. - ولكن الناس تفسر ذلك على هواهم ويستهينون بهم!
فقال بغضب: إنهم يأبون إلا الرفعة لأنفسهم والدونية للآخرين.
فصمت محمود قطائف مليا، ثم قال: من حقهم أن يطالبوا باحترام يكافئ أعمالهم. - ماذا تعني؟ - ماذا كانت تكون حارتنا لولاهم؟ دورهم زينة، أسماؤهم نجوم في الحي، من حوانيتهم يتدفق الغذاء والكساء لحارتنا، ومن أموالهم شيدت الزاوية والحوض والسبيل والكتاب الجديد، ألا يكفي ذلك كله؟!
فاحتد شمس الدين غاضبا وقال: لولا أبي ما انتفع بأموالهم أحد، انظر إلى نظرائهم في الحارات الأخرى ماذا يفعلون؟!
فلاذ شيخ الحارة بالصمت مرة أخرى، بدا مترددا، فقالت فلة: تكلم، ما على الرسول إلا البلاغ.
فتشجع محمود قطائف قائلا: إنهم يرون أنهم مظلومون، كما يرون أنك ورجالك مظلومون أيضا. يقولون إن منزلة الفتوة الحقيقية بين الأعيان، وإن الأعيان فضلهم الله درجات على الناس، ولن ينتقص ذلك من حق الفقير في العدل!
فصاح شمس الدين: وضح الأمر يا شيخ الحارة، إنهم يغرونني بنبذ العهد والارتماء في أحضان البلطجة. - معاذ الله! - هي الحقيقة وإنك لتؤمن بما أقول. - معاذ الله يا معلم. - إليك رأيي النهائي ...
فقاطعه واقفا وهو يقول بتوسل: بل فكر في الأمر قليلا. لا أطالبك إلا بتأجيل الحكم حتى تفكر. ومرق من الحجرة كالهارب.
अज्ञात पृष्ठ