فقالت بحدة: سنتبادل الرثاء كثيرا. - على أي حال فليسوا في حاجة إلينا. - بغيرهم لا أنفاس في البيت تتردد. - إني أرثي لك يا زينب.
أسندت رأسها إلى راحتها وتمتمت متشكية: لدي عمل في الصباح الباكر. - جربي النوم. - في هذه الليلة؟
فقال بضجر: في أي ليلة! - وأنت؟!
فقال بتصميم: الحق أني بحاجة إلى نسمة هواء في الخارج!
21
الظلام مرة أخرى. يتجسد في القبو، يغطي المتسولين والصعاليك، ينطق بلغة صامتة. يحتضن الملائكة والشياطين، فيه يختفي المرهق من ذاته ليغرق في ذاته. إن قدر الخوف على أن ينفذ من مسام الجدران فالنجاة عبث.
22
خرج من القبو إلى الساحة. انفرد بأناشيد التكية والجدار العتيق والسماء المرصعة بالنجوم. جلس القرفصاء دافنا وجهه بين ركبتيه. منذ نيف وأربعين عاما تسللت به أقدام خاطئة لتواري خطيئتها في ظلمة الممر. كيف وقعت تلك الخطيئة القديمة؟ أين؟ في أي ظروف؟ ألم يكن لها ضحية سواه؟ تخيل، إن استطعت، وجه أمك الحالم ووجه أبيك المحتقن، استعد، إن استطعت، كلمات التغرير المعسولة، استحضر اللحظة الحاسمة التي تقررت بها مصائر. كان يقف إلى جانبهما ملاك وشيطان، ولكن الرغبة تهزم الملائكة. تخيل صورة أمك، لعلها مثل! لكي تحتدم المعركة لا بد من بشرة صافية وعينين سوداوين مكحولتين وقسمات دقيقة مثل البراعم. لا بد من الرشاقة والسحر وعذوبة الصوت. وقبل ذلك لا بد من القوى الخفية المتدفقة المناسبة الغادرة المغتصبة بلا ضمير. والطعم الفواح تضعه الحياة في الفخ وتنتظر، وتودع ذلك كله خمسة عشر عاما من عمر البشر.
لذلك دق باب الأناشيد ولكنه لم ينفتح. الحق كان بوسعك أن تدفعه بقوتك ولكنك لم ترد. ومن يتزوج الحياة فليحتضن ذريتها المعطرة بالشبق، ولكن لا مفر من أن تعترف بأن ما يحدث لا يمكن أن يصدق، وأن تعاني إحساس المطارد إذا سبق. فالبسمة قدر، والدمعة قدر، وها هو مخلوق جديد يولد مكللا بالطموح الأعمى والجنون والندم. ويسأل الغوث من الرحمن فتنسكب عليه خمر الفتن.
وثقل رأسه فغفا.
अज्ञात पृष्ठ