290

हराफिश

الحرافيش

शैलियों

أصاب مصرع زهيرة المعلم عزيز بطعنة وحشية لا دواء لها. تراءى في الجنازة والمأتم كشبح فقد النعمة والأمل، ونبذ تماما من جسد الحياة. تضاعف ألمه بقدر ما تماسك أمام الناس. تبدت له الدنيا عجوزا ماكرة قاسية لا حد لمكرها ولا لقسوتها، فأضمر نحو كافة وعودها الرفض والمقت.

وزارته أمه عزيزة هانم، فاستقبلها بفتور وعتاب صامت، ولكنها بكت وضمته إلى صدرها وهمست في أذنه: لا يجوز أن نتخاصم تحت ضربات القدر!

ولثمت جبينه، ثم واصلت متنهدة: كأني ما خلقت إلا للحزن والأسى.

وانزلقت فوق قلبه كلمات العزاء فلم تترك أثرا.

2

وعقب الوفاة بأشهر أصيب المعلم عزيز بالفالج. لم يمهله المرض إلا أسابيع، ثم فاضت روحه، وحزنت عزيزة حزنا مهلكا. لم يجر لها في خاطر أنها ستدفن وحيدها النبيل، وأنها ستبقى بعده يوما واحدا تتنفس. عاودها الحزن كأشد ما كان على فقد قرة، وكأنها مخلوق مهيب لا يتجلى جلاله إلا في رحاب الحزن الكبير. عزيزة الجميلة النبيلة التي قطعت حياة معاندة تبذر الصبر وتحصد الألم.

واحتراما لوصية عزيز ضمت راضي إلى دارها مع شمس الدين، ورغم العناية البالغة بشمس الدين فإنه مات في شهره الثامن، أما جلال فأخذه أبوه عبد ربه الفران.

3

اهتزت الحارة لمصرع زهيرة. هزها صراع الحظ مع القدر. التمست العبرة في ثنايا الأحداث وتقلبها. تساءلت لم يضحك الإنسان؟ لم يرقص بالفوز؟ لم يطمئن سادرا فوق العرش؟ ولم ينسى دوره الحقيقي في اللعبة؟ ولم ينسى نهايته المحتومة؟ ولم تخل الحنايا من أسى، ولكن سرعان ما غرق الأسى في خضم الحقد والغضب. وانصبت اللعنات، وقيل هذا جزاء الظالمين. وعزيز النبيل لم يحترم أحد حزنه، واتهم بخطف زهيرة من عبد ربه الفران، ولم يحزن أحد لموته الحزن الذي يستحقه. وقال الحرافيش إن أسرة الناجي أصبحت مسرح الحزن وأمثولة العبر جزاء خيانتها لعهد جدها العظيم صاحب الكرامات والبركات.

وفي ذلك الوقت تنكر الجو في برمودة، فتلبدت السماء بالغيوم على غير ميعاد، وانهل مطر غريب، ثم تساقط وابل من البرد، فذهل الناس وعجبوا. وجفت قلوبهم، ولكنهم غمغموا حيارى: «لعله خير يا رب العالمين!»

अज्ञात पृष्ठ