16
وثب سماحة من مكمنه كالمحترق. مهلبية ولا أحد سواها. اندفع نحو الساحة بلا حذر. ترامى إليه وقع أقدام من ناحية الساحة. قادمة منذرة بنواياها الدموية. افتضح السر بطريقة ما. بينه وبين الضحية عشرات النبابيت والخناجر. لا جدوى من الإقدام. توقف. تقهقر والأقدام تتقدم. عند منتصف الممر ترامى إليه وقع أقدام من ناحية القرافة. إنه محاصر. إنه الموت. السور العتيق مرتفع جدا. سور التكية مدجج سطحه بقطع الزجاج المدبب المغروس. وثب بكل قوته متعلقا بطرف السور. انبطح فوق سطحه متلقيا نارا تسري في البطن والصدر والأطراف. فوق ما يتحمل البشر.
تلاقى الجمعان وتجاوبت الأصوات: أين الثعبان؟ - مؤكد أنه تسلل إلى الساحة. - لا أثر له في الساحة. - ولا في الممر.
الألم يمزق الجسد وينداح في الروح. يخمد الأمل ويستعذب الموت.
17
السحب تهبط. تتهادى في المكان مثل الضباب. تومض في ثناياها نجوم. الأرواح ترقص مثل الأطياف. السقاء يوزع قربة مليئة بالدموع. عاشور الناجي يتفقد الحارة الخالية. يقطع الحزن قلبه على الشهداء. يعنف الشرطة ويأخذ بتلابيبها، ثم يرقص رقصة النصر. يتلاقى مع سيدنا الخضر في الساحة. إني قادم لأقودك إلى السدرة. يسيران مشتبكي الذراعين فوق شعاع كوكب مضيء.
وشمس الدين يرفض استقبال الشيخوخة. يتركها متسولة عند الباب. يحمل السبيل فوق عاتقه ويمضي به نحو القبو. المتسول لا يبرح موقفه. شمس الدين يرقص رقصة النصر. ولكن أين سيدنا الخضر؟ المتسول لا يبرح موقفه. يا له من متسول عنيد! لا يرق لشلل سليمان، ولا لدموعه. يتركه يهوي درجة بعد درجة. أين المعجزات؟ أين الأحلام؟ ثمة دم يملأ حوض الدواب، ويملأ صهاريج السبيل، ويجف في العروق، غير أن المتسول تحرك حركة عفوية. ولأول مرة يتكلم فيقول: عاشور لم يمت! عاشور سيرجع قبل بزوغ الهلال!
18
يشعر أول ما يشعر بحركة في الجفون، بوجود مجرد، بنفحة من وعي. يرى شابورة. تنجلي عن نقوش لا نهائية في سقف المخدع. يا ألطاف الله! أين تسمع هذه الهمسات، هذه الألوان؟ أما زالت الدنيا على قيد الحياة؟ هذا الكائن امرأة. ضياء زوجة عمه خضر. تميل فوقه في براءة وتتمتم: ما أكثر الأحلام!
دار خضر. ها هو صوت عمه الطيب يردد: نحمد الله.
अज्ञात पृष्ठ