وأراد سليمان أن يعلق، ولكنه حملق بغتة في وجه عدو ينقض عليه من الغيب، وتهاوى على الأرض كمئذنة. حاول النهوض مرات ولكنه عجز، ثم استسلم لما يشبه النوم. وهرع إليه سعيد الفقي وآخرون، ولكنه أصدر أصواتا مبهمة ولم يستطع النطق.
وحمل سليمان الناجي إلى دار سنية هانم السمري كطفل عاجز.
25
دهمه شلل نصفي فرقد فوق فراشه عاجزا، وكل من رآه أدرك أن سليمان الناجي قد تحول إلى لا شيء. وعادته فتحية وبناته مثل الغرباء. وقامت سنية برعايته وتمريضه في صبر وحزن وهي تغمغم دائما: حلت بنا اللعنة!
وانقضت بضعة أعوام قبل أن يستطيع أن يتحرك. غدا في قدرته أن يسير على نصف، جارا نصفه الآخر وهو يتوكأ على عكازين. وكان ينشد الفرجة بالجلوس أمام الدار أو في القهوة، ينطق بالكلمة أو الكلمتين، ويلقي على ما حوله نظرة غائبة وقد هجرته معاني الأشياء.
26
وناب عتريس عن سليمان في الفتونة. ظل على ولائه له بادئ الأمر، يزوره، ويعطيه نصيبه كاملا من الإتاوات، ويمارس السلطة الفعلية في العصابة، ويقول له: أنت سيدنا وتاج رأسنا.
ثم شغلته واجبات الفتونة - هكذا قال - عن واجب الزيارة، فكف عن ورود دار السمري إلا يوم حمل الإتاوة.
ثم أعلن فتونته واستولى على نصيب سليمان من الإتاوات فلم يصادف من أحد الأعوان ما يكدر، بل لعلهم أملوا أن يتحرروا على يديه من الالتزامات المحدودة التي ظل سليمان ملتزما بها حيال الحرافيش.
وسرعان ما عادت الفتونة إلى سابق عهدها قبل عاشور الناجي. فتونة على الحارة لا لها، ولا خدمة تؤديها إلا خدمة الدفاع ضد الفتوات الآخرين. وحتى في هذه الناحية اضطر عتريس إلى مهادنة أعداء ومخالفة آخرين، بل حتى الإتاوة دفعها إلى فتوة الحسينية ليتجنب معركة خاسرة. وكلما هان خارج الحارة زاد طغيانا وصلفا داخلها. وأهمل أخته فتحية. وأكثر من الزواج والطلاق. واستأثر بالإتاوات هو وعصابته، على حين أغدق على الحرافيش الزجر والتأديب، وأنزل الوجهاء - على حد قول سعيد الفقي شيخ الحارة - حيث أنزلهم الله سبحانه وتعالى.
अज्ञात पृष्ठ