فقد دخلت الشبهة على كثير من "دعاة الإسلام" اليوم بأن الإيمان هو التصديق، ثم جعلوا معنى التصديق مجرد نسبة الصدق إلى الخبر أو المخبر به، بمعنى أنه إذا جاءك من يخبرك خبرًا فسمعته ثم قلت إنه صادق في هذا الخبر فهذا هو التصديق، وطردوا هذا المعنى في المفهوم الشرعي للتصديق، فاعتقدوا أن من نسب الصدق إلى محمد ﷺ بقوله: إنه رسول الله فعلًا وأنا مصدق بأنه جاء من عند الله تعالى بالقرآن، كان آتيًا بالتصديق الشرعي الذي هو مرادف للإيمان عندهم.
والحق أن الأدلة من الكتاب والسُّنَّة قد دلت على جهمية خلاف ذلك مطلقًا، وإنما قد دخلت عليهم الشبهة التي دخلت على جهمية المرجئة، فمجرد هذا التصديق لا يثبت به إسلام. وسنسوق الأدلة من الكتاب والسُّنَّة على ما نقول ثم نبين بعدها معنى التصديق الشرعي المراد إن شاء الله تعالى:
(أ) قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا) (١) .
قال ابن عباس: "يقينهم في قلوبهم" (٢) أي قد حدث التصديق القلبي بالفعل، إلا أن ذلك لم يثبت لهم إيمانًا، بل حتى لم يمنعهم من التكذيب الصريح باللسان رغم التصديق القلبي التام.
وقد كان فرعون وجنوده يعلمون تمامًا أن هذه الآيات من عند الله تعالى: قال تعالى على لسان موسى: (قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر) (٣) .
وقال تعالى عن اليهود: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) (٤) .
(ب) يقول الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" في معرض حديثه عن وفد نجران:
_________
(١) النمل ١٤.
(٢) الطبري جـ١٩ ص١٤٠.
(٣) الإسراء ١٠٢.
(٤) البقرة ١٤٦.
1 / 52