183

ولما كانت حاجة الناس إلى الماء أكثر من حاجتهم إلى الطعام جعل الله الماء كثيرا وأرخص من الطعام؛ ولأنهم يحتاجونه للتطهر به والغسل والشرب وسقي الأراضي والبهائم، فمن هاهنا جعله الله أكثر وأرخص، نعمة منه وتفضلا.

فإن قيل: لم جعل الله الرزق يقل ويكثر ويتيسر -وحينا يتعسر- وجعل أكثر الرزق في الضرب في الأرض والتكسب والطلب، والتجارة والصناعات، والمؤآجرة والحرث، وأصناف الطلب؛ ولم يجعله سهلا يأكل الإنسان من فوقه ومن تحت رجليه، وكان يكون أتم للنعمة؟

قلنا: لو كان ذلك كما تقول لأدى إلى وجوه من المضار.

منها أنه كان يؤدي إلى حب الدنيا؛ ولأنه من كان في (مثل) هذه النعم لم يحب مفارقة الدنيا، واطمأن إليها ورضي بها، وقد ذم الله من رضي بالحياة الدنيا واطمأن [إليها]، فقال تعالى: {إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون ، أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}[يونس:7،8]، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((حب الدنيا رأس كل خطيئة )).

ومنها أنهم لو كانوا يأكلون من فوقهم وتحتهم لأدى ذلك إلى البطر والأشر والبغي، ولتفرغوا للفساد؛ وقد قال الله تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير}[الشورى:27].

पृष्ठ 250