हक़ाइक़ मारिफ़ा
حقائق المعرفة
शैलियों
قلنا: لا يجوز أن يتصور القديم تعالى؛ لأن الصورة لا تقع إلا على ما له مثل يشاهد، فيتصور على حسب ما شوهد من مثله. فلما كان الله تعالى لا مثل له، علمنا أنه لا يجوز أن يتصوره المتصورون، ولا يتصور إلا ما يجب عليه الحدث، ويلحقه النقص، فصح أن الله لا يتصور، ولهذا سمى نفسه لطيفا باطنا، وسمى نفسه ظاهرا قريبا، فقال تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}[الأنعام:103]، وقال تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن }[الحديد:3]، وقال تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}[ق:16]، وقال: {ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون }[الواقعة:85]، وقال: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم}[المجادلة:7]، فدل على أنه ظاهر باطن، قريب بعيد. فمن رام إدراكه بالعقل، أو بالحواس، أو بالوهم، أو بالظن أو التصور، فهو أبعد ما يكون، ولن يبلغ إلى شيء مما طلب، بل ترجع الأبصار حاسرة والعقول والأوهام حائرة. ومن طلب معرفته واستدل عليه بصنعه فهو أقرب من كل قريب وأكبر من كل موجود، فهو الظاهر القريب بما أوجد من صنعه، وهو الباطن، البعيد، اللطيف من أن يدرك أو يتوهم أو يتصور، وقد قصرت الأبصار والحواس والعقول عن صفة جسم مرئي بصورة مخصوصة -وهو الشمس- فلم يقف على حقيقتها، فكيف من خلقها وصورها؟! فإذا قصرت عن صفة حقيقية جسم مشاهدة فهي عن درك صانعه أقصر.
وقد حكي عن أهل النجوم وأهل الطب والفلاسفة أنهم اختلفوا في الشمس وحقيقة صفتها؛ فقال قوم: هي فلك أجوف مملوء نارا، له فم يجيش بهذا الوهج والشعاع.
وقال قوم: هي اجتماع أجزاء نارية، يرفعها البخار الرطب.
وقال قوم: هي سحابة ملتهبة.
وقال قوم: هي جسم زجاجي يرسل علينا شعاعه.
وقال قوم: هي صفوة لطيفة تصعد من البحر.
وقال قوم: هي أجزاء كثيرة مجتمعة من النار.
وقال قوم: هي من جوهر خامس سوى الجواهر الأربعة.
وقال قوم: هي بمنزلة صحيفة عريضة.
وقال قوم: هي كالجرة المدحرجة.
وقال قوم: هي مثل الأرض.
وقال قوم: هي أضعاف ذلك.
وقال قوم: هي أعظم من الجزيرة الكبيرة.
ذكر ذلك عنهم وحكاه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتاب الدلائل. وقال: ففي اختلاف هذه الأقاويل منهم في الشمس دليل على أنهم لم يقفوا على الحقيقة من أمرها. فإذا كانت هذه الشمس التي يقع عليها البصر، ويدركها الحس، قد عجزت العقول عن الوقوف على حقيقتها، فكيف بالحد لما لطف عن الحس واستسر عن الوهم.
فإن قالوا: لم استسر؟ قلنا: لم يستسر بحيلة يخلص إليها كمن احتجب عن الناس بالأبواب والستور. وإنما معنى قولنا: (إنه استسر) أنه لطف عن مدى ما تبلغه الأوهام كما لطفت الشمس وارتفعت عن إدراكها بالبصر.
पृष्ठ 180