हक़ाईक़ इस्लाम
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
शैलियों
ومن أمثلة العقيدة الإيمانية التي نلمسها في كل حي أو نلمسها في كل مولود أن الآباء والأمهات يحبون ذريتهم ولا يقبلون بديلا منها، ولو كان البديل خيرا من تلك الذرية وأجمل منظرا وأفضل مخبرا وأدعى إلى الغبطة والرجاء. ولا بقاء لأنواع الأحياء إذا قامت الأبوة على عاطفة غير هذه العقيدة الإيمانية التي يرتبط بها قوام الحياة، ولا يختلف اثنان في وصف هذا الحنان الأبوي بالمغالاة إذا أردنا أن نجرد الحياة من صواب العاطفة أو صواب العقيدة، ولا ندين فيها بغير صواب العقول.
فإذا وجب علينا أن نقبل التعبير الرمزي والعقيدة الإيمانية في مدركات الدين، فنحن لا نترخص مع الدين وحده بهذه الرخصة الشائعة عندنا - نحن بني الإنسان - في جميع مدركاتنا، بل نحو نسوي بين رخصة الدين ورخصة الحس ورخصة العقل في هذه اللغة الحيوية التي ينطق بها كل حي مع اختلاف الظروف والعبارات.
على أننا لا نبتغي بدعا من العقل إذا ميزنا الدين برخصة لا تساويها رخصة قط فيما تدركه الحواس أو تدركه العقول؛ لأن مدركات الدين تشمل أصول الوجود وأسرار الخليقة، وتتطلع إلى بواطن الغيب كما تتطلع إلى ما وراء هذا العالم المحدود كلما ارتفعت بها أشواقها إلى سماء الكمال المطلق: كمال الخالق المبدع لجميع هذه المخلوقات.
فإذا قبلنا من عقولنا وحواسنا أن نقنع بالتعبير الرمزي والعقيدة الإيمانية في إدراك خليقة محدودة من هذه الخلائق التي لا عداد لها، فإنه لمن الشطط أن نسوم العقل إدراكا للحقيقة المطلقة يخلو من الرموز ويتجرد من عنصر الإيمان. •••
ولنكن واقعيين مع الواقعيين في كلامنا عن مشكلة الدين؛ فإننا كنا إلى الآن في هذه الفاتحة عقليين، نحتكم إلى البرهان في محاسبة الدين ومراجعة الشبهات التي تواجه المترددين والمعطلين ويواجهون بها عقائد الأديان على الإجمال.
فماذا لو أضفنا إلى حجة العقل حجة الواقع من تجارب التاريخ وتجارب الحاضر في شئون الجماعات الإنسانية، وشئون كل فرد من بني الإنسان على حدة بينه وبين جماعته أو بينه وبين نفسه؟
إن تجارب التاريخ تقرر لنا أصالة الدين في جميع حركات التاريخ الكبرى، ولا تسمح لأحد أن يزعم أن العقيدة الدينية شيء تستطيع الجماعة أن تلغيه، ويستطيع الفرد أن يستغني عنه في علاقته بتلك الجماعة أو فيما بينه وبين سريرته المطوية عمن حوله، ولو كانوا من أقرب الناس إليه، ويقرر لنا التاريخ أنه لم يكن قط لعامل من عوامل الحركات الإنسانية أثر أقوى وأعظم من عامل الدين، وكل ما عداه من العوامل المؤثرة في حركات الأمم فإنما تتفاوت فيه القدرة بمقدار ما بينه وبين العقيدة الدينية من المشابهة في التمكن من أصالة الشعور وبواطن السريرة.
هذه القوة لا تضارعها قوة العصبية، ولا قوة الوطنية، ولا قوة العرف، ولا قوة الأخلاق، ولا قوة الشرائع والقوانين؛ إذ كانت هذه القوة إنما ترتبط بالعلاقة بين المرء ووطنه، أو العلاقة بينه وبين مجتمعه، أو العلاقة بينه وبين نوعه على تعدد الأوطان والأقوام؛ أما الدين فمرجعه إلى العلاقة بين المرء وبين الوجود بأسره، وميدانه يتسع لكل ما في الوجود من ظاهر وباطن، ومن علانية وسر، ومن ماض أو مصير، إلى غير نهاية بين آزال لا تحصى في القدم وآباد لا تحصى فيما ينكشف عنه عالم الغيوب؛ وهذا - على الأقل - هو ميدان العقيدة الدينية في مثلها الأعلى وغاياتها القصوى وإن لم تستوعبها ضمائر المتدينين في جميع العصور.
ومن أدلة الواقع على أصالة الدين أنك تلمس هذه الأصلة عند المقابلة بين الجماعة المتدينة والجماعة التي لا دين لها أو لا تعتصم من الدين بركن ركين، وكذلك تلمس هذه الأصالة عند المقابلة بين فرد يؤمن بعقيدة من العقائد الشاملة وفرد معطل الضمير مضطرب الشعور يمضي في الحياة بغير محور يلوذ به، وبغير رجاء يسمو إليه، فهذا الفارق بين الجماعتين وبين الفردين، كالفارق بين شجرة راسخة في منبتها وشجرة مجتثة من أصولها، وقل أن ترى إنسانا معطل الضمير على شيء من القوة والعظمة إلا أمكنك أن تتخيله أقوى من ذلك وأعظم إذا حلت العقيدة في وجدانه محل التعطل والحيرة. •••
وبعد، فنحن نختم هذه الفاتحة - كما بدأناها - بالتنبيه إلى غرضنا من هذه المناقشة الوجيزة لشبهات المترددين والمعطلين على التدين في أساسه، فنقول في ختامها - كما قلنا في مستهلها: إننا لا نحسب أن مناقشة من المناقشات في هذا الموضوع الجلل تحسم الخلاف وتختم المطاف، ولكننا نطمع بحق في الإبانة عن مواطن الضعف من تلك الشبهات، ونعلم أنها أضعف من أن تقتلع أصول العقيدة الدينية من الطبيعة الإنسانية، وأنها تتهافت تباعا كلما استحضر الباحث في خلده شرائط الدين المعقولة التي تلازمه حتما في رأي المؤمن بدين من الأديان، وفي رأي المنكر لجميع الأديان على السواء.
अज्ञात पृष्ठ