हक़ाईक़ इस्लाम
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
शैलियों
وكان اعتقادهم أن موسى عليه السلام يسمع كلام الرب فما إلى فم وعيانا بغير حجاب في كل قضية من قضايا الشعب يعرضونها عليه، حتى علمه نبي مدين أن يكل القضاء إلى أناس من ذوي ثقته وخاصة قومه يلقنهم أحكام الشريعة، ويوليهم أمر القضايا مكتفيا بما يعضل عليهم من كبار القضايا. وفي ذلك يقول كاتب الإصحاح الثاني عشر من سفر الخروج:
وقد حدث في الغد أن موسى جلس ليقضي للشعب، فوقف الشعب عند موسى من الصباح إلى المساء، فلما رأى حمو موسى كل ما هو صانع للشعب قال: ما هذا الأمر الذي أنت صانع للشعب؟ ما بالك جالسا وحدك وجميع الشعب واقف عندك من الصباح إلى المساء؟ فقال موسى لحميه: إن الشعب يأتي إلي ليسأل الله؛ إذا كان لهم دعوى يأتون إلي فأقضي بين الرجل وصاحبه وأعرفهم فرائض الله وشرائعه. فقال حمو موسى له: ليس جيدا هذا الأمر الذي أنت صانع، إنك تكل أنت وهذا الشعب الذي معك جميعا؛ لأن الأمر أعظم منك لا تستطيع أن تصنعه وحدك، الآن اسمع لصوتي فأنصحك، فليكن الله معك، كن أنت للشعب أمام الله وقدم أنت الدعاوى إلى الله، وعلمهم الفرائض والشرائع، وعرفهم الطريق الذي يسلكونه والعمل الذي يعملونه، وأنت تنظر من جميع الشعب ذوي قدرة خائفين الله أمناء مبغضين الرشوة وتقيمهم عليهم رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات، فيقضون للشعب كل حين ويكون أن كل الدعاوى الكبيرة يجيئون بها إليك، وكل الدعاوى الصغيرة يقضون هم فيها وخفف عن نفسك فهم يحملون معك ...
وبعد نحو ستة قرون من النبوة الموسوية انتهى عهد الأنبياء في بني إسرائيل، ولم يتغير معنى النبوة عندهم في هذه الفترة الطويلة، بل انحدر إلى ما دون ذلك بكثير؛ لأن موسى الكليم كان يخاطب الغيب ليتلقى الشريعة، وينقل إلى الشعب تحذير الله بنصوص ألفاظه، وأما الأنبياء بعده فقد تكاثروا بالمئات ليخاطبوا الغيب فيما دون ذلك من الخبايا اليومية ، أو ليتخذوا العلامات والألغاز نذيرا للشعب بالخسائر الحسية التي تصيبه من جراء الخروج على شريعة موسى.
ويتلخص تاريخ النبوة بين بني إسرائيل إذن في كلمات معدودات: أنهم قد استعاروا فكرة النبوة من جيرانهم العرب الذين ظهر فيهم ملك صادق على عهد إبراهيم الخليل، وظهر فيهم بعد ذلك أيوب وبلعام وشعيب؛ ففهموا من النبوة معنى غير معنى الرؤية والعرافة والسحر والتنجيم، وأنهم ما زالوا يتعلمون من جيرانهم إلى أن أتى موسى الكليم الذي تتلمذ على حميه نبي مدين قبل جهره بدعوته، وبعد أن جهر بهذه الدعوة في مصر وخرج بقومه منها إلى أرض كنعان، ولكنهم أخذوها وسلموها فنقصوا منها ولم يزيدوها، وما كان لهم من حيلة في زيادتها؛ لأنها - كما فهموها - غير قابلة للزيادة والارتقاء، ولا مناص من تدهورها مع الزمن، وهي موقوفة على قوم دون سواهم لا يشاركون الأقوام في هداية واحدة، ولا في جامعة إنسانية ترتفع بمقاييس الأخلاق والفضائل مع ارتفاع بني الإنسان.
كانت قبائل إسرائيل محصورة في نفسها، وكانت عبادتها محصورة في حدودها، وكانت قبلتها القصوى من العبادة أن تسلم في عزلتها مع إلهها الذي احتكرته واحتكرها، فلم تطلب من النبوة إلا ما تلتمسه من السلامة في تلك العزلة: صناعة موقوفة على استطلاع الغيب لتحذيرها من الضربات التي تواجهها ولا تخشاها من إله غير إلهها.
وبعد ستة قرون من آخر رسالة في بني إسرائيل يستمع العالم إلى صوت من جانب الجزيرة العربية يدعو إلى رب العالمين: رب العربي والأعجمي، ورب الأبيض والأسود، ورب كل عشيرة وكل قبيلة، لا يستأثر بقوم ولا يؤثر قوما على قوم، إلا من عمل صالحا واتقى حدود الله.
صوت نبي ينادي كل من بعث إليه أنه لا يعلم الغيب، ولا يملك خزائن الأرض، ولا يدفع السوء عن نفسه فضلا عن قومه، ولا يعلم أن الخوارق والمعجزات تنفع أحدا لا ينتفع بعقله ولا يتفكر فيما يسمع من نبي أو رسول!
صوت نبي يقول للناس: إنه إنسان كسائر الناس، وهو بشير يهدي إلى الحق والرشد، نذير يحذر من الباطل والضلال.
أي مشابهة بين الصوتين؟
بل أي اختلاف قط بينهما يجاوز هذا الاختلاف؟
अज्ञात पृष्ठ