हक़ाईक़ इस्लाम
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
शैलियों
لأنه عالم جهالة لا يفقه هذه الحدود، ولا يلتزم بواجباتها وتبعاتها ... فمن دواعي السخرية حقا أن يقال هذا عن دين يتناول المتعلم المبتدئ فيه مرجعا من مراجع أصوله التي فرغ البحث فيها منذ القرن السادس للميلاد، فيرى فيه أحكام الإعلان والتبليغ والنبذ والمعاهدة والصلح والذمة والهدنة والموادعة والسفارة والوساطة، ويرى لكل حكم من الأحكام واجباته على المسلم في حالتي إبرامه ونقضه، وواجبات الإمام والرعية فيه مفصلة مرددة كأنها صيغ العقود التي يتحرى فيها الموثقون غاية التوكيد والتقييد منعا للأغلال والأسلال، كما جاء في أول عهد بين الإسلام والمشركين، فإن القارئ المسلم حين يمر بذلك السخف المضحك في بواكير القانون الدولي عند القوم ليحس كأنه على مشهد من ألاعيب أطفال يتواصون فيما بينهم على كتمان أسرارهم عن كبارهم؛ لأن هؤلاء الكبار الخبثاء أغرار لا أمان لهم على تلك الأسرار! •••
ومن البديهي أن الأديان تعليم يبين للناس مواطن التحليل والتحريم، وليست هي بالقوى المادية التي تجرهم من أعناقهم إلى الخير وتحيطهم بالسدود لتصدهم عن مقارفة الشر، وليست هي بترياق الساعة الذي يقال في أساطير السحر إنه يبرئ الأدواء لساعته ويخلفها بالصحة السابغة والشباب المقلد. وقصاراها من الهداية أنها كالمصابيح التي تنير المسالك أمام السالك وتبطل العذر لمن يسلك أسوأ الطريقين على علم بما فيه من السوء والعوج وما في غيره من السداد والاستقامة، وهي على هذا كسب عظيم لبني الإنسان يضيرهم أن يفقدوه؛ فالناس يخالفون القوانين والآداب كل يوم ولا يقال - من أجل هذا - إنهم لم يكسبوا شيئا بتدوين القوانين والمطالبة برعايتها، وإنهم في الزمن الذي يخالفون فيه القانون لا يزالون كما كانوا في زمن الهمجية السائمة لا يميزون بين المحرم والمباح، ولا يعرفون أنهم خالفوا القانون أو لم يخالفوه.
والمسلمون قد تعلموا أصول «القانون الدولي» قبل ظهور القانون الدولي في الغرب بأكثر من عشرة قرون، فخالفوه كثيرا فيما بينهم وخالفوه كثيرا فيما بينهم وبين غيرهم، وتمحلوا المعاذير أحيانا لتسويغ الحرب التي لا تسوغ، ونقض العهود التي يوصيهم الدين برعايتها، وظهر بينهم المجرمون الدوليون كما يظهر المجرمون والعصاة مع كل قانون وكل عرف مأثور، إلا أن هؤلاء المجرمين - كثروا أو قلوا - لم يبطلوا فضيلة دينهم ولم ينسخوا أحكامه بعصيانهم، وذهبوا وبقيت تلك الأحكام ماثلة أمام ولاة الأمر يطيعونها أو يسول لهم الطمع أن يتعدوا حدودها، فلا يجسروا على تعديها جهرة إلا أن يتمحلوا لها معاذيرها ويبدلوا معالمها، ومن لج به البغي فتعدى حدودها ولم يكترث لعواقب العدوان لم ينج من تلك العواقب في مصيره، وانتهى به البغي إلى نهاية كل جامح عسوف مستبد برأيه.
ولما تجاورت دول الإسلام ودول الغرب حول البحر الأبيض المتوسط كانت شريعة الدول الغربية في القانون الدولي هي الشريعة التي خلفتها لها دولة الرومان.
من جاورك فهو عدوك تخضعه أو يخضعك، وتبدأ بالحرب متى استطعت أو يبدؤك هو بالحرب متى استطاع ... وكانت هذه الشريعة على أشدها في معاملتهم لبلاد المسلمين؛ لأنهم أفردوها بعداء واحد فوق كل عداء.
وإذا وضع الميزان بين هذه الدول في هذه الفترة ذهبت كل غدرة من جانب الدول الإسلامية بغدرة مثلها من جانب الدول الغربية، وبقيت في كفة الغرب غدرات كثيرة لا نظير لها، ولا مسوغ لها غير شريعة العداء الدائم في جميع الأحوال.
والترك العثمانيون هم مضرب المثل عند الغربيين للشريعة التي تجوز في معاملات الغرب ولا تجوز في معاملات الأمم الأخرى. ومنهم من يخلط بين كلمة التركي وكلمة المسلم فيظن أن المسلمين كلهم من الترك، ويكتب كتابهم يومئذ عن قسوة التركي وذمة التركي ولباس التركي ولغة التركي، وهو يشمل بالكلمة جميع المخالفين للأوروبيين من المسلمين، وحقهم في عرف القوم أنهم لا حق لهم معروف بين حقوق الآدميين.
ولكن هؤلاء الترك لم يكن من شريعتهم قط أنهم يعاملون أناسا سلبت حقوقهم، واستبيحت دماؤهم وأموالهم لهم بلا سبب ولا مسوغ غير الخلاف في الدين، وطالما هم سلاطين الترك بإكراه المسيحيين في بلادهم على الإسلام أو تستباح دماؤهم وأموالهم، فنهاهم عن ذلك شيوخ الإسلام وقيدوهم بالفتاوى الشرعية التي لا تبيح للسلطان المسلم أن يقتل ذميا، أو يقتل مخالفا يقبل أداء الجزية بعد تخييره بينها وبين المعاهدة أو الإسلام ... ولولا هذه الفتاوى لاستطاع سلاطين الترك أن يحولوا أوروبا الشرقية إلى الدين الإسلامي في جيل واحد أو جيلين، ولولا أن الفتاوى الشرعية كانت لها رهبتها في ضمير السلطان المسلم لما اكترث لها أولئك السلاطين الأقوياء المتحكمون في ممالكهم، ولا سيما أيام الفتوح التي أضافت إلى قوتهم عظمة المجد وخيلاء الظفر والسطو؛ فقد كانت رهبة الفتوى من العالم العارف بأوامر الدين ونواهيه تخيف بطل الحرب الذي لا تخيفه الجيوش والمعامع؛ لأنها رهبة من الله سيد السادة وملك الملوك القادر على أن يخذل المنتصر وينصر المخذول، بل كانت هذه الرهبة تزلزل العروش تحت أربابها وتطيح بهم من فوقها، وكثيرا ما لجأ إليها السلاطين أنفسهم لإجازة ولاية بعدهم لا تجيزها لهم قوة السيف والمال، أو لإجازة العقاب الذي يحلونه بالعصاة ولا بد له من سند شرعي يسوغه لولي الأمر القادر عليه، وما استطاع السلطان أن يوقع بجمع «الانكشارية» المتمردين على الإصلاح إلا بسند من تلك الفتاوى يحتمي به من غضب الله وغضب رعاياه.
ومن أضاليل فقهاء الغرب في القانون الدولي أنهم أسقطوا حقوق الترك في المعاملات الدولية؛ لأنهم مغيرون على البلاد الأوروبية في غير مسوغ للإغارة عليها ، وهم - أي هؤلاء الفقهاء - لا يشق عليهم أن يعلموا مسوغ تلك الإغارة لو كان لهم ميزان واحد للمعاملات بين الدول يزنون به حقوقها جميعا على سواء؛ فإن العالم الأوروبي باتفاق ملوكه وأمرائه وبابواته قد شهر الحرب على العالم الإسلامي في حروبه الصليبية قبل زحف الترك العثمانيين على آسيا الصغرى في أواخر القرن الثالث عشر للميلاد، وكانت أخبار مذابح المسلمين في بيت المقدس وفي المغرب الأندلسي تجوب آفاق القارة الآسيوية إلى أقصاها شرقا، وتجوب آفاق القارة الأفريقية إلى أقصاها جنوبا، وتتغلغل في أنحاء العالم الإسلامي مع الحجاج والمهاجرين في كل عام، فلا تدع مسلما في الأرض بمعزل عن الشعور بحالة الحرب الداهمة؛ لأنه يعلم أنها مشهورة عليه. ولعل فقهاء الغرب يجهلون عمق هذا الشعور الذي ملأ جوانب العالم الإسلامي عدة قرون؛ لأنهم يجهلون مدى انتشار الخبر الذي يهم شعوب المسلمين على أفواه القوافل المترددة في آسيا وأفريقيا من الحجاج والمهاجرين. وعمق هذا الشعور هو الذي قوض دولتي الإسبان والبرتغال في آسيا قبل سائر المستعمرين؛ لأنهما وصلتا إلى الشرق الإسلامي مسبوقتين بسمعة العداوة التي لا عداوة مثلها لشعوب الإسلام. أما أن يعلم فقهاء الغرب عمق هذا الشعور في بلاد العالم الإسلامي ثم يستكثروا على شعب من شعوبه أن ينظر إلى الغرب نظرته إلى محارب يقتص منه فلا عذر له إلا الأثرة العمياء التي تجيز لصاحبها أن يقتحم بلاد غيره، ثم لا يفهم من اقتحام بلاده بعد ذلك إلا أنه عدوان بغير سابقة وبغير حجة!
وتأبى الحوادث إلا أن تجيء عفوا بما ينقض دعوى هؤلاء الفقهاء عن رعاية الإسلام للقوانين والعهود، فيطلق الغرب نفسه لقب «سليمان القانوني» على سلطان من أكبر سلاطين القسطنطينية لم يشتهر بعمل من أعماله الحربية كما اشتهر بأعماله القانونية التي أقامت المعاملات بين الغرب وبلاده على سنن التشريع والمعاهدة، وهذه هي السنن التي اعترف بها في إبان مجده وقوته منحا سخية للغرب، فما زالت حتى أصبحت مع الضعف قيودا وأغلالها يتحكم بها المستعمرون الغربيون في أعناق الشرقيين! •••
अज्ञात पृष्ठ