हनीन इला खराफ़ा
الحنين إلى الخرافة: فصول في العلم الزائف
शैलियों
يا أيام ذلك العام، اختزنتك ذاكرتي، ومن صورتك انمحت رويدا رويدا السترة المهترئة الحائلة اللون، واحتفظت به، وهو ينضو عنه سترته المهترئة، ويستوي أمامي بالغ الكمال، مثل تحفة لا تشوبها شائبة.
قسطنطين كافافيس
ثمة وهم متوارث، روجت له زمنا نظريات سيكولوجية عتيقة، يقول بأن الذاكرة البشرية أشبه بشريط التسجيل الذي يسجل كل ما يرد عليه دون أن يخرم منه شيئا، وأن كل منبه ورد على عقل الإنسان هو مسجل فيه بشكل ما وبدرجة ما. وإن تكن أغلب المادة المسجلة محفوظة في مستوى عميق من باطن العقل؛ وهي من ثم قابلة للاسترجاع. أما المادة المحفوظة في ظاهر العقل فهي قابلة للاستدعاء بدقة ما دام الشخص يتمتع بكفاية عقلية تامة ونزاهة تعصمه من الكذب ولي الحقائق. وأما المادة المحفوظة في أعماق سحيقة من باطن العقل - وبخاصة إذا كانت مؤلمة قد نالها الكبت وجعلها في حصن منيع - فهي قابلة للاستعادة بواسطة تقنيات سيكولوجية من قبيل التوجيه اللفظي وحفز التخيل والتنويم ... إلخ.
غير أن البحث الحديث في الذاكرة وآلياتها قد كشف لنا زيف هذه التصورات وسذاجتها، فالذاكرة في حقيقة الأمر لا تقوم بعملها كما يقوم شريط التسجيل، فنحن لا نسجل بالتفصيل كل حدث يجري في حياتنا؛ ذلك أن الدماغ يواجه في كل لحظة بكم هائل من ال «المثيرات»
stimuli
الواردة أو «المدخل»
input
البيئي يتجاوز قدرته التخزينية، الأمر الذي يحتم على الذاكرة أن تكون «انتقائية»، مثلما يحتم على الانتباه نفسه أن يكون انتقائيا يصطفي من المثيرات ما يعنيه ويضرب صفحا عن بقية المثيرات، بل يصرفها عن ساحة الوعي بطريقة حاسمة وآليات نشطة. يتعين على الدماغ أن يقوم بعملية «ترشيح»
filtration
دقيقة للمثيرات الواردة حتى يتسنى له أن يعمل بالطريقة التي يعمل بها، بحيث إذا اختلت كفاءة هذا الترشيح يصاب المرء باضطرابات دماغية ليس أقلها الفصام.
अज्ञात पृष्ठ