ومددت له يدي لأنصرف، وظل ممسكا بها بعض الوقت، ثم قبلها أصبعا أصبعا، كما تعود أن يفعل طوال سني حبنا، وقال لي: شوقية، هل سأراك مرة ثانية؟ - طبعا. - متى؟ - قريبا جدا.
وهممت بأن أخطو نحو الباب، لكني تذكرت شيئا فجأة فقلت له: على فكرة، ما رأيك في الزواج بعد أن تزوجت؟ هل أنت راض عنه؟
ولم يرد بسرعة، ولم يبتسم كعادته، أخذ يفكر برهة قبل أن يجيب، وأحسست من تردده أنه يحاول أن يغير شيئا مما كان يريد أن يقوله، وأشفقت عليه من أن يقول ما يريد، وأشفقت على نفسي من سماع ما سيقوله، فقلت له بسرعة: لا تفكر كثيرا يا ضياء، فأنا لا أريد أن أسمع الرد أيا كان، سأحاول أن أراك مرة أخرى.
وخرجت مسرعة، خرجت أعدو كأنما ورائي شبح يطاردني، وواصلت عدوي حتى وصلت إلى بيتي، وجريت إلى حجرتي ألهث وأغلقتها على نفسي. آه ... ما هذا الذي فعلت؟
وتقلبت في فراشي، ثورة عارمة تجتاح نفسي، ليست ثورة على ضياء، وليست ثورة على رءوف، وليست ثورة على أحد، وإنما ثورة على نفسي، وسمعت كلمة تتردد في أعماقي: كرامة!
كرامة! تلك الكلمة التي ترن فجأة في أعماقي، وتحاسبني بلا رحمة ولا شفقة ... ضياء؟ مرة أخرى ضياء؟ تذهبين إليه! الرجل الذي خان عهدك؟! الرجل الذي أحبك خمس سنوات، ثم تزوج امرأة أخرى في يوم وليلة؟ ثم تتهاوين بين ذراعيه، وتذرفين الدموع بين يديه، وتقولين له أحبك، وتتركين له شفتيك مرة أخرى؟!
ثم تعترفين له بما كان بينك وبين رءوف؟
ما هذا الذي فعلت؟
وأحسست بضغط شديد في رأسي، كأنما يوشك أن ينفجر، وتقلبت في الفراش أبحث عن شيء من الراحة، ووضعت الوسادة على رأسي، وضغطت عليها بكل قوتي؛ لأوقف هذا السيل المتدفق من الأفكار، لكن رأسي ظل مشحونا مضغوطا.
وفجأة دق جرس التليفون، فرفعت السماعة إلى أذني في إعياء، وجاءني صوته نفسه؛ ضياء! الصوت الذي كان يحدثني كل يوم خمس سنوات متتالية، كيف أنساه؟! الصوت العميق الدافئ الحاني، الذي كان متهلفا دائما، كيف أنساه؟! قال بنفس صوته القديم: شوقية، أريد أن أقابلك الليلة، لقد خرجت مسرعة، فلم أقل لك كل ما أريد، هل أستطيع أن أراك الليلة؟
अज्ञात पृष्ठ