وأمنت على رأي المسيو سارو.
وردد الرجل عينيه الزرقاوين بيننا وقد لاحت فيهما نظرة ساخرة، وسألنا متجاهلا: ولمه؟
فقلت بلا تردد: ستجد الصحافة في ذلك موضوعا أي موضوع!
وقال الدكتور بيير: وما من شك في أن الصحافة الوطنية عدو لك قديم .. وهل نسيت يا صاحب المعالي حملاتها المغرضة عليك واتهاماتها إياك بأنك تبعثر أموال الفلاح في فرنسا بلا حساب؟!
فصاح الباشا بإنكار: أموال الفلاح!
فبادر الدكتور يقول معتذرا: معذرة يا باشا .. هذا قولهم!
فهز سعادته منكبيه استهانة، وزم شفتيه احتقارا، وقال وهو يثبت نظارته الذهبية على عينيه: أنا لا آبه لهذه الأصوات المنكرة الوضيعة، وما دام ضميري الفني لا يرتاح لبقاء مثل هذه الآيات وسط هذا الشعب الحيواني، فلن تقبر هنا أبدا.
وكنت أعرف رأي صديقي الباشا عن المصريين واحتقاره لهم. ومما يحكى في هذا الصدد أنه تقدم له منذ عام طبيب مصري نابغة حاصل على رتبة البكوية طالبا يد ابنته، فطرده شر طرد لأنه فلاح بن فلاح. على أني - مع موافقتي على كثير من التهم التي يكيلها الباشا لبني وطنه - لم أكن أتبعه رأيه إلى النهاية، ولما قلت له: سعادتك شديد النقد.
فقهقه الباشا ضاحكا وقال: أنت يا عزيزي دريان رجل وهبت حياتك الثمينة للماضي البعيد، وربما لاحت لك في غياهبه لمع عبقرية خلفها القدماء لا تفتأ توقظ عطفك وحنينك على أحفادهم، ولكن شتان بين الفراعين والفلاحين، لا يجوز أن تنسى يا صديقي أن المصريين شعب فول.
فضحكت وقلت له: عفوا يا صاحب السعادة، ألا تعلم أن السير ماكنزي أستاذ آداب اللغة الإنجليزية بكلية الآداب صرح أخيرا بأنه أصبح يفضل الفول عن البودنج؟
अज्ञात पृष्ठ