أى أغفر فعلته أو كلمته أو خصلته السيئة لادخاره وتمامه.
* وأعرض عن شتم اللئيم تكرما*
والشاهد فى الأول، وأما تكرما فمفعول لأجله نكرة، ولذلك شواهد أخر، وقرأ ابن أبى ليلى حذار الموت، بكسر الحاء، وبالألف بعد الذال، وفيه مبالغة أو هو مصدر حاذر، وفى الإتيان به أيضا مبالغة، لأن المفاعلة صيغة مجالدة ومعاندة، وإن قلت كيف صح تعليلان لشىء واحد بلا بدلية ولا عطف ولا بيان ولا تأكيد لفظى، فإن من التعليلية وحذر تعليلا ليجعل؟ قلت التعليل بحذر منظور فيه إلى يجعلون مع قوله { من الصواعق } لا لمجرد قوله { يجعلون } كأنه قال سبب جعلهم أصابعهم فى آذانهم الحاصل لأجل الصواعق هو حذر الموت، أو من بمعنى عن أو فى أو عند، أى فى حال الصواعق أو عند الصواعق، أو حذر حال مبالغة أو حال بتقدير مضاف، أى ذوى حذر الموت أو بالتأويل بحاذرين أى حاذرين الموت، بنصب الموت أو حاذرين الموت بجره، او مفعول مطلق ليجعلون.. إلخ، لأن الجعل محاذرة للموت أو المحذوف أى يحذرون الموت حذرا، فحذف يحذرون وأضيف حذر الموت كسبحان الله، أى يحذرون سماع الصواعق حذر الموت، كضربته ضرب الكافر، ثم رأيت الوجه الأول قد ذكره ابن هشام، إذ قال وزعم عصرى فى تفسير له على سورة البقرة وآل عمران فى قوله تعالى { يجعلون أصابعهم فى ءاذانهم من الصواعق حذر الموت } أن من متعلقة بحذر أو بالموت، وفيهما تقديم معمول المصدر، وفى الثانى أيضا تقديم معمول المضاف إليه على المضاف، وحامله على ذلك أنه لو علقه بيجعلون وهو فى موضع المفعول له لزم تعدد المفعول له من غير عطف، إذ كان حذر الموت مفعولا له، وقد أجيب بأن الأول تعليل للجعل مطلقا والثانى تعليل له مقيد بالأول، والمطلق والمقيد متغايران، فالمعلل متعدد فى المعنى وإن اتحد فى اللفظ... انتهى. والعصرى بإسكان الصاد نسبة إلى العصر، والمراد به ابن عقيل، وهما فى عصر واحد وبيان تعدد المعلل أن { يجعلون } معلل بقوله من الصواعق، وأن { يجعلون أصابعهم فى ءاذانهم من الصواعق } معلل بقوله { حذر الموت } والموت زوال الحياة عما كانت فيه، وإن شئت فأسقط قولك عما كانت فيه، لأن لفظ الزوال يعنى عنه لأن أصل الزوال العدم بعد الوجود، وذكر صاحب شرح المواقف أن الموت عدم الحياة عما اتصف بها الفعل، وإنما ذكر قولك عما اتصف بها بالفعل لأنه عبر بالعدم، والعدم كما شاع استعماله فى العدم بعد الوجود شاع فى العدم بدون وجود، فيكون بمعنى نفى الوجود، واعتبر صاحب المطالع الزوال بمعنى العدم، فذكر ما نصه الموت زوال الحياة عما من شأنه الحياة، فزاد عما من شأنه الحياة ليخرج ما عدمت فيه الحياة، ولم تكن فيه بل ذلك كالحجر، ولو أبقى الزوال على ظاهره لم يحتج لهذه الزيادة، مع أن عبارته توهم تسمية الجنين قبل حلول الحياة فيه ميتا، وعلى هذه الحدود التقابل بين الموت والحياة تقابل العدم والملكة، وقال بعض الموت عرض يضاد الحياة لقوله تعالى
خلق الموت والحياة
فجعل الموت مخلوقا والعدم لا يخلق، ورد قول هذا البعض بأن الخلق بمعنى التقدير والإعدام مقدرة، وإن قلنا الخلق بمعنى الإيجاد فالمعنى خلق أسباب الموت والحياة، وعلى قول ذلك البعض التقابل بين الموت والحياة تقابل التضاد، وفى معناه عبارة بعضهم الموت عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة، والصحيح ما ذكرته أولا، وهو المشهور عن أهل اللغة، ويوافقه أن نقول الموت مفارقة الروح الجسد، وعلى جميع الأقوال هو عرض، وأما ما ورد فى الأحاديث من أنه جسم حيث قيل إنه على صورة كبش لا يمر على أحد إلا مات فمؤول بأنه لم يقصد بالموت حقيقة، بل أراد أنه تصور بصورة كبش، كما ورد فى البخارى ومسلم
" يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار... "
الحديث، ومن لازم الموت على كل قول فساد بنية الحيوان، فتفسير الزمخشرى له بفساد بنية الحيوان تفسير باللازم، وإن قلت ما معنى تقابل العدم والملكة؟ قلت معناه تقابل انتفاء الشىء وصلاحيته للثبوت، فالملكة الإمكان والصلوح، وأقسام التقبل فيما يظهر لى أربعة، لأن المتقابلين إما وجوديان أو وجودى وعدمى، فإن كانا وجوديين لا يتصور أحدهما إلا بالآخر كالبنوة مع الأبوة، والأخوة بين الاثنين فمتضايفان، وتقابلهما تقابل التضايف، وإن تصور أحدهما مستقل ولو لم يكن الآخر فمتضادان، وتقابلهما تقابل التضاد، كالسواد والبياض، والموت والحياة ، إذا فسرنا الموت بالعرض الذى لا يجامع الحياة، فإن حاصله موجود فى نحو الحجر، وليس حاصل الآخر وهو الحياة موجودا فيه، وإن كان أحدهما عدميا والآخر وجوديا فإن اعتبر فى العدمى كون الموضوع قابلا للوجود بحسب شخصه كعدم اللحية عن الأمرد، أو نوعه كعدمها عن المرأة، أو جنسه القريب كعدمها عن الفرس، أو جنسه البعيد كعدمها عن الشجر فهما متقابلان، وتقابلهما تقابل العدم والملكة، ومنه عدم الحياة عمن كانت فيه المسمى بالموت وعدمها من الجنين عند صاحب المطالع، وإن لم يعتبر ذلك فمتقابلان تقابل الإنجاب والسلب، كالسواد وأن لا سواد، والحياة وأن لا حياة، وقيل معنى { يجعلون أصابعهم.. إلخ } أنهم كرهوا الجهاد إذ لا رغبة لهم فى الشهادة. { والله محيط بالكافرين } أى وعقاب الله أو إهلاكه محيط بهم إذا جاء فى الدنيا والآخرة لا يجدون عنه خلاصا، فحذف المضاف، ويجوز أن يكون ذلك استعارة تمثيلية، بأن يشبه إنفاذ وعده فيهم، وتعميمه إياهم، وعدم خلاصهم منه، بخدع أو حيلة، بإحاطة المحيط على المحاط به كله للانتقام، وعدم الخلاص بحيلة أو خدع، أو شبه شمول علمه بهم، وقدرته عليهم بإحاطة القوم المحصى المطلق على المطلق به وفعل الله وصفته أقوى، ومع ذلك يشبهان بفعل غيره وذلك للإفهام والتصوير للحس، ويجوز أن تكون الاستعارة مفردة فى قوله { محيط } فتكون تبعية تصريحية، بأن يشبه مجرد إنفاذ وعيده أو شمول علمه بهم، أو شمول قدرته بالإحاطة بالشىء بقطع النظر عن توابع ذلك فلا تدخل فى التشبيه، فلا منافاة بين الاستعارتين التمثيلية والمفردة، كما قيل إلا أن يقال إنه أراد المنافاة فى جمعهما فى حال واحد، فإن جمعهما لا يصح، بل تحمل على هذه فقط أو هذه فقط، والجملة معترضة، لأن ما قبلها وما بعدها متصل معنى من قصة واحدة.
قلنا ما قبلها فى تهويل أمر الصيب وما بعده كذلك، لإن الصواعق من ذلك الصيب والبرق الذى كاد يخطف أبصارهم منه أيضا، والجملة بعدها مستأنفة ونكتة الاعتراض تعقيب ذكر حذرهم بذكر أنه لا يفيدهم خلاصا، فالاعتراض كما يكون بين المتصلين صناعة ومعنى كالفعل والفاعل، والتابع والمتبوع يكون بين المتصلين معنى وإن جعلنا جملة يكاد البرق حالا أو نعتا لصيب أو للسماء أو حالا من هاء فيه كان الاعتراض بين متصلين صناعة ومعنى.
[2.20]
{ يكاد البرق يخطف أبصارهم } تقدم إعراب هذه الجملة مستأنفة وغير مستأنفة، وعلى الاستئناف، فهو بيانى، فكأنه قيل ما حالهم مع ذلك البرق العظيم؟ فأجيب بأنه من عظمة يكاد يخطف أبصارهم او كأنه قيل ما مضرة البرق فإنه نور حسن؟ فأجيب بأنه هائل يكاد يضر أبصارهم.. هكذا أقول. وقا القاضى كأنه جواب لمن يقول ما حالهم من تلك الصواعق؟ فأجيب بأن من أدنى مضرة البرق الهائل الذى يكاد يخطف أبصارهم، وكاد لمقاربة الخبر من الوقوع لعروض سبب الوقوع، لكن لم يقع لفقد شرط أو عروض مانع، فيخطف أبصارهم قريب الوقوع لعروض شدة البرق، لكنه لم يقع فضلا من الله تبارك وتعالى، فإذا تقدم نفى فالأصل أن يكون نفيا لمقاربة الخبر عن الوقوع، فيكون المعنى إنه لم يقرب وقوعه فضلا عن أن يقع، وتارة يكون نفيا لوقوع الخبر عن قريب فيثبت وقوعه عن بعيد، والغائب أن يكون خبرها مضارعا تنبيها على أنه المقصود بالقرب مجردا من أن، لأن أن للاستقبال المنافى للقرب، بخلاف الحال، وإذا لم يجرد فحملا على عسى لتشاركهما فى أصل المقاربة، فإن عسى إما رجاء ورجاء الشىء طلب له واستجلاب وحب لقربه، وإما توقع للمكروه، والمكروه لو كان بعيدا يخاف وقوعه ويصور بصورة القريب تحرز أو نفورا عنه، وأيضا المحبوب حاضر فى القلب يصور بصورة الواقع إذا اشتد حبه، والخطف الأخذ بسرعة، وقرأ مجاهد يخطف أبصارهم، بكسر الطاء، على أن ماضيه مفتوح، وقراءة السبعة وغيرهم، بالفتح، أفصح على أن ماضيه مكسور، وكسر ماضيه أفصح. وقرأ ابن مسعود يخطتف بوزن يفتعل، وقرأ الحسن يخطف، بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة، والأصل يختطف كقراءة ابن مسعود نقلت فتحة التاء إلى الخاء وأبدلت التاء طاء وأدغمت الطاء فى الطاء، وعن الحسن أيضا يخطف بذلك الضبط والنقل والإبدال والإدغام إلا الخاء، فإنه كسرها فى هذه الرواية إلحاقا بالطاء بعدها فى حركتها، وهذا أولى مما قيل إن الرواية جاءت على لغة من يدغم بلا نقل، بل بسكن ويدغم، ويجيز إبقاء الساكن الأول على حاله، ويجيز تحريكه لالتقاء الساكنين، وهى لغة رديئة. وقرأ زيد بن على يخطف بضم الياء وفتح الخاء وتشديد الطاء مكسورة. وقرأ أبى يتخطف كقوله تعالى
अज्ञात पृष्ठ