हमयान ज़ाद
هميان الزاد إلى دار المعاد
والجد - بفتح الجيم - كثرة المال. { والله يرزق من يشاء بغير حساب } بغير تضييق فى الرزق، كما يحاسب صاحبه من يضايق عليه فى أمر، والمراد والله أعلم أن يوسع على المؤمنين بالجنة فى الآخرة، وبأن يورثهم أموال الكفار الذين يسخرون منهم فى الدنيا، ويملكهم أيضا رقابهم بالأسر والفداء والاستعباد، ويجوز أن يريد أنه يوسع الرزق على من يشاء من الكفار استدراجا وجزاء فى الدنيا على ما عملوا، من نحو صلة الرحم وإغاثة الملهوف، وعلى من يشاء من المؤمنين لطفا ورحمة بهم، ويجوز أن يريد الكفار، لأنهم فاخروا بأموالهم، فأخبرنا الله أنه يرزق من يشاء من الكفار رزقا واسعا، وذلك استدراج، ولو كان المال كرامة لأعطاه المؤمنين خاصة، ولم يعطه قارون المخسوف به وبماله، وليس توسيع الرزق ينقص مما عند الله، كما ينقص ما فى يد العباد المتحاسبين ولا يخلو مخلوق من حساب فيما يعطى، ولو فاق جوده جود خاتم، وعن ابن عباس معناه يعطيه كثيرا وما يدخله الحساب قليل، وذلك فى الدنيا، وقيل بغير أن يحاسبه فى الآخرة بما أعطاه فى الدنيا، وقيل من حيث لا يحتسب وقيل من غير أن نفرق بين المستحق وغيره، وقيل بدون حساب من يخاف النفاد، لأن خزائنه لا تنفد، وقيل من غير أن يحاسبه أحد لم أعطيت هذا وحرمت ذاك، ولم أعطيت هذا ما لا يحتاج إليه وحرمت ذاك ما يحتاج، وقيل يعطيهم فى الجنة قدر أعمالهم ثم يتفضل، والتفضل هو الذى بغير حساب، إذ لم يعتبر فيه ما فى أجر العمل مما يستحق العمل.
[2.213]
{ كان الناس أمة واحدة } متفقين على الحق فيما بين آدم وإدريس، هذا قول ابن خيثمة، حكى القرطبى عنه أنه منذ خلق الله تعالى آدم عليه الصلاة والسلام إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، خمسة آلاف سنة وثمان مائة سنة، وقيل أكثر من ذلك، وكان بينه وبين نوح ألف سنة، وعاش آدم تسع مائة سنة، وكان الناس فى زمانه أمة واحدة متمسكين بالدين الحق، تصافحهم الملائكة، وداموا على ذلك إلى أن رفع إدريس عليه الصلاة والسلام، فاختلفوا قال وفى هذا نظر، لأن إدريس بعد نوح على الصحيح قلت بل الصحيح أنه قبل نوح، وعن ابن عباس وقتادة وعكرمة كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة الحق من، فاختلفوا، والقرن مائة سنة على الصحيح، وقال الشيخ هود رحمه الله أريد عشرة آباء والاختلاف وقع فى زمان نوح عليه السلام، وقيل المراد آدم وأولاد أواده فى حياته أمة واحدة على الإسلام والحق، إلى أن قتل قابيل هابيل حسدا وبغيا، ودام الاختلاف، فبعث الله النبيين بعد آدم عليه السلام، وقال الكلبى الناس الذين كانوا أمة واحدة أهل سفينة نوح عليه السلام، كانوا بعد الطوفان على الحق، وكانت الفطرة إلى أن بعث الله صالحا، وقال أبى بن كعب وابن زيد المراد بالناس بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم، قالوا كلهم بل أنت ربنا، وقيل كانت العرب على دين إبراهيم إلى أن غيره عمرو بن لحى، وقيل الناس آدم وحده المتضمن لأولاده كلهم، كان وحده على الحق حتى جاءت أولاده واختلفوا، وهذه أقوال الجمهور وفى رواية عن ابن عباس رضى الله عنهما، وعطاء والحسن كان الناس من وقت وفاة آدم إلى مبعث نوح عليه السلام أمة واحدة على الكفر أمثال البهائم، فبعث الله النبيين نوحا وغيره، وقيل فى فترة نوح وإدريس، وقيل المعنى أنه يكون الناس أمة واحدة على الكفر، لولا أن الله تبارك وتعالى من يبعث الرسل، وفى الكلام حذف، أى كان الناس أمة واحدة، فاختلفوا بأن آمن بعض وكفر بعض. { فبعث } إليهم. { الله النبيين مبشرين } من آمن بالجنة. { ومنذرين } من كفر بالنار ويدل على هذا الحذف قوله تعالى { فيما اختلفوا فيه } ، وقد قرأ أيضا ابن مسعود { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين } الآية، وعن كعب الذى علمته من عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والمرسل منهم ثلاث مائة وثلاثة عشر، والمذكورون فى القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون. { وأنزل معهم الكتاب } جنس الكتب لا كتاب واحد لأن كتب الله كثيرة، ولم ينزل على كل واحد، فإن أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصهم، وإنما انها كانوا يأخذون بكتاب من قبلهم أو كتب من قبلها وصاحب الكشاف قال أو مع كل واحد منهم كتابه، وظاهره أنه أجاز التفسير، لأنه أنزل مع كل نبى كتابا، فإما على ظاهره، وإما أن يريد أنه أنزل كتابا على نبى يكون، ولمن شاء الله بعده أو معه من النبيين.
{ بالحق } متعلق بمحذوف حال من الكتب، وثابتا بالحق ، ولك تقديره كونا خاصا، أى ملتبسا بالحق أو شاهد بالحق. { ليحكم } الله بذلك الكتاب، هذا قول الجمهور، أو ليحكم الكتاب، وعلى هذا أسند الحكم للكتاب لاشتماله على ما يحكم به الحاكم، أو ليحكم النبى المبعوث المنزل عليه ذلك الكتاب به، وذلك جنس، أى ليحكم كل واحد بكتابه المتعبد هو به. { بين الناس فيما اختلفوا فيه } من الحق دين الإسلام المتفق عليه، قيل أو مطلق الدين بأن يقول بعضهم الدين، هو كذا والآخر الدين غير ذلك أو فيما التبس عليهم. { وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه } الهاء فى فيه عائد إلى الحق أو الكتاب، والهاء فى أوتوه عائد إلى الكتاب المنزل، ذم الله الكفار بمخالفة الحق، ويعكس الأمر إذا كان الكتاب المنزل عليهم ليتفقوا على الحق سببا شديدا لمخالفتهم الحق، إذ كفروا وآمن غيرهم، فكان الاختلاف، فالذين أوتوه يشمل المؤمن والكافر، والمذموم الكافر، وعلى هذا فيقدر عند قوله { بغيا بينهم } بغيا من الكافرين بينهم وبين المؤمنين، إذ وقع منهم على المؤمنين ويجوز أن يكون الذين أوتوه الكفار فقط، بمعنى أن الكفار اختلفوا بأن خالف كل فريق منهم الآخر، وأخطئوا الحق وأصابه المؤمنون، ويجوز أن يكون الاختلاف هو التحريف، وقيل الهاء لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والهاء فى أوتوه للكتاب. { من بعد ما جاءتهم البينات } الحجج الظاهرة على التوحيد، وظاهر الآية أن هذه الآيات قبل إيتاء الكتاب، فيكون المراد بالآيات الأدلة العقلية التى نصبها الله تعالى على إثبات الأصول التى لا يمكن القول بالنبوة إلا بعد ثبوتها، ذكر علماء الكلام أن كلما لا يصح إثبات النبوة إلا بثبوته، فلا يمكن إثباته بالدلائل السمعية، وإلا وقع الدور، وقيل البينات صفات محمد صلى الله عليه وسلم المبينة فى كتبهم، ويجوز كون البينات هى الكتاب كله، فيكون من وضع الظاهر موضع المضمر ليوصف بالوضوح، أو هى بعض الكتاب، وهى ما كان بيانا لما التبس عليهم، ومن متعلقة باختلف، أى وما اختلف فيه من بعد ما جاءهم، أو من بعد ما جاءهم من بيان ما اختلفوا فيه إلا الذين أوتوه، ومعنى إيتاء الكفار الكتاب تعبدهم به. { بغيا بينهم } أى الظلم العظيم الذى نشأ من الحسد، لحرصهم على الدنيا، وقلة الإنصاف. { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه } الذين آمنوا هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، والمختلف فيه من الحق قال ابن زيد هذه الآية فى أهل الكتاب، اختلفوا فى القبلة، فصلت اليهود إلى بيت المقدس، والنصارى إلى المشرق، فهدانا الله إلى الكعبة، واختلفوا فى إبراهيم عليه السلام، فقالت اليهود كان يهوديا، وقالت النصارى كان نصرانيا، فقلنا إنه كان حنيفا مسلما، واختلفوا فى عيسى عليه السلام، فاليهود فرطوا بأن قالوا فيه ما قالوا، والنصارى جعلوه ربا، فهدانا الله إلى ما هو الحق فى شأنه، وهو أنه عبد الله ورسوله، وعنه صلى الله عليه وسلم
" نحن الآخرون - أى فى الدنيا - ونحن السابقون - أى المقضى لهم - أولا يوم القيامة - بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذى عرض عليهم - يعنى يوم الجمعة - فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فاليوم لنا وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى "
وكذا جميع ما اختلفوا فيه، وقال الطبرى عن الفراء فى الكلام قلب، أى فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه، واختاره الطبرى، وذلك خوف أن يحتمل اللفظ أنهم اختلفوا فى الحق، فهدى الله المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه، وعساه أن يكون غير الحق فى نفسه، وليس كذلك، لأن { فهدى الله } يقتضى أنهم أصابوا الحق، وتم المعنى فى قوله { فيه } وتبين بقوله { من الحق } ، جنس ما وقع الخلاف فيه، وإذن الله. قال الزجاج معناه علمه، وقيل أمره أو إرادته ولطفه. { والله يهدى من يشاء } هدايته. { إلى صراط مستقيم } لا يضل سالكه، ولا ينحوا تاركه، وهو دين الإسلام الموصل إلى الجنة.
[2.214]
{ أم } بمعنى بل التى للإضراب، وهمزة الاستفهام الإنكارى، أى نفى أن يكون حسبانهم حقا والإضراب انتقال عن ذلك الإخبار المتقدم، فأم منقطعة. { حسبتم أن تدخلوا الجنة } لما ذكر الله جل وعلا اختلاف الأمم على أنبيائهم بعد مجئ البينات حضا للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على الصبر على مخالفة من خالفهم من المشركين أهل الكتاب وغيرهم، خاطبهم بقوله { أم حسبتم } الآية، والخطاب أبلغ من الغيبة، ولذلك جئ بالكلام خطابا، مع أن المتقدم غير خطاب، وإذا قلنا إن الذين آمنوا المذكورين هم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وحدهم، أو مع كل من آمن من الأمم فى زمان نبيها، ففى { حسبتم } التفات من الغيبة إلى الخطاب. { ولما يأتكم مثل الذين خلوا } أى مضوا وصاروا فى خلاء من الأرض. { من قبلكم } ولما بسيطة، وقيل مركبة، من لم وما، وهى تنفى ما ينتظر ثبوته بعد، كما أن قد للتوقع تقول قد ركب الأمير، لمن توقع ركوبه، وتقول لما يركب لما يتوقعه أيضا، إلا أن لما فى النفى، وقد فى الإثبات، وكان المؤمنون يتوقعون الابتلاء، و { مثل الذين خلوا من قبلكم } حالهم التى هى الشدة كالمثل المضروب، فإن المثل يضرب فى الأمر الغريب والقصة العجيبة، ونزلت الآية فى غزوة الأحزاب، أصاب المسلمين شدة وبرد وضيق العيش يومئذ، وقيل فى غزوة أحد، وقيل حين ضاق حال المهاجرين فى المدينة، إذ تركوا بمكة مالهم، وذلك أول الهجرة، وفى الكلام حذف مضاف، أى ولما يأتكم شبه مثل الذين، ويجوز تفسير مثل بالمشبه بالماثل ويقدر مضاف بعده لا قبله، أى ولما يأتكم مماثل آتى الذين من قبلكم، والذين من قبلكم هم المؤمنون من الأمم، الصابرون على ما آتاهم من المحن، كما استأنف بيانا لما أصابهم بقوله { مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } كانه قيل ما مثلهم وحالهم العجيبة، فقال { مستهم } الآية. وصبروا، والبأس الفقر الشديد، والضراء المرض والجوع، قال عطاء { وزلزلوا } حركوا تحريكا شديدا فى قلوبهم وأحوالهم بما أصابهم من الشدائد، وذلك تشبيه بتحريك الأشخاص المحس، والرسول جنس الرسل المصابين هم وأممهم بذلك، فصبروا، والجمهور على نصب يقول على اعتبار وقت الزلزال السابق على قول الرسول، لأن حتى لا ينصب بعدها إلا المضارع المستقبل، كأنه قيل ما زالوا فى زمانهم مزلزلين حتى يقول الرسول، وقرأ نافع برفع يقول على أن حتى للابتداء شبيهة بفاء السببية ولا تخلوا من غاية، لأن المسبب غاية للسبب، بمعنى أنه بمرة السبب، وذلك على حكاية الحال الماضية المنقطعة، وتصييرها بمنزلة الحال الحاضرة، والمضارع الذى للحال مرفوع بقد، حتى كان الرسول والذين آمنوا معه أحياء حال نزول الآية قائلين { متى نصر الله } ، فرفع كما يرفع الحال الحقيقى مثل مرض حتى لا يرجونه، قال ابن هشام إن كان المضارع بعد حتى للاستقبال بالنظر إلى زمان التكلم فالنصب واجب، وإن كان النسبة إلى ما قبله خاصة فالوجه أن نحو { وزلزلوا حتى يقول الرسول } الآية، فإن قولهم إنما هو مستقبل بالنظر إلى الزلزال، لا بالنظر إلى زمان قص ذلك علينا، قرأ نافع بالرفع على الحالية المحكية لا الحقيقية بتقدير حتى حالتهم حينئذ أن الرسول والذين آمنوا معه يقولون كذا وكذا، و { متى نصر الله } استفهام استبطاء، ومعناه طلب النصر واستطالة زمان الشدة، ما ظنك فى طول مدة ضج بها الرسول مع قدر شباب الرسل وشدة اصطبارهم؟ وقالت طائفة الآية فى قصة الأحزاب بعد مضيها والرسول محمد سيدنا صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا الصحابة رأوا شدة عظيمة حين حصر الأحزاب المدينة، ونسب ذلك لجمهور المفسرين، وعلى أنها فى غير قصة الأحزاب، وقيل نزلت تسلية للصحابة المهاجرين حين أصيبت أموالهم بعدهم، وإذا هم الكفار وعن الحسن لما نزلت الآية جعل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يقولون ما أصابنا هذا بعد، لما كان يوم الأحزاب نزل
يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود
إلى قوله
अज्ञात पृष्ठ