وأما لفظ الشيخ هود، فهكذا ذكروا عن جابر بن عبدالله
" أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما قدم مكة فى حجته طاف بالبيت فمشى إلى المقام وهو يقول { اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } ، فصلى خلفه ركعتين قرأ فيهما { قل هو الله أحد } و { قل يا أيها الكافرون } "
وليس الاستدلال بذلك حجة بجواز أن يكون، صلى الله عليه وسلم، أراد بقراءة الآية بيان مقام إبراهيم عليه السلام ، واعلم أن إطلاق المقام على الحرام كله حقيقة عرفية مجاز لغوى، وكذا على معالم الحج، وعلاقته المجاورة، وأما الحقيقة اللغوية فإطلاقه على موضع قدميه فقط حين المكث، والأمر باتخاذ المصلى من مقام إبراهيم للوجوب على مستطيع الحج، ندب على غيره، وركعتا الطواف واجبتان، وقيل مستحبتان، وللشافعى فيهما قولان أصحهما عنه الثانى، وأضيف المقام لإبراهيم لأنه موسوم به لاهتمامه به، وإسكان ذريته عنده، وسأل عمر رضى الله عنه المطلب ابن أبى وداعة هل يدرى أين موضع المقام أول أمره؟ قال نعم فأراه موضعه اليوم، وقيل المراد بالمقام الموضع الذى فيه ذلك الحجر، وأخرج البخارى أنه الحجر الذى ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة الذى كان إسماعيل يناوله إياها فى بناء البيت، وغرقت قدماه فيه، وقد مر هذا القول.
روى أن الله تعالى خلق البيت قبل الأرض بألفى عام، وكانت زبدة بيضاء على الماء، فبسطت الأرض تحتها، فلما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض استوحش، فشكى إلى الله تعالى فأنزل الله البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة، له بابان من زمردة خضراء، باب شرقى وباب غربى، فوضعه على موضع البيت فقال يا آدم إنى أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشى، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشى. وأنزل الحجر وكان أبيض فاسود من لمس الحيض فى الجاهلية، وتوجه آدم من أرض الهند إلى مكة ماشيا وقيض الله له ملكا يدله على البيت، فحج البيت وأقام المناسك، فلما فرغ تلقته الملائكة وقالوا بر حجك يا آدم، ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام. قال ابن عباس حج آدم من الهند إلى مكة أربعين حجة ماشيا، وكان على ذلك إلى أيام الطوفان، ثم رفعه ثم إلى السماء الرابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه، وبعث الله جبريل حتى خبأ الحجر الأسود فى جبل أبى قبيس صيانة له من الغرق، كان موضع البيت خاليا إلى زمان إبراهيم عليه السلام، ثم إن الله أمر إبراهيم عليه السلام بعد ما ولد إسماعيل وإسحاق ببناء بنية يذكر فيه، فسأل الله عز وجل أن يبين له موضعه، فبعث الله تعالى إلى السكينة لتدله على موضع البيت، والسكينة ها هنا ريح جموح لها رأسان تشبه الحية، شديدة سريعة تلتوى فى هبوبها، وأمر إبراهيم أن يبنى حيث تستقر السكينة، وتبعها حتى أتى مكة فطوت السكينة على موضع البيت كطوى الحية، هذا قول على والحسن. وقال ابن عباس بعث الله عز وجل سحابة على قدر الكعبة، فجعلت تسير وإبراهيم يمشى فى ظلها إلى أن وافت مكة، ووقفت على موضع البيت، فنودى منها إبراهيم عليه السلام أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص، وقيل أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام ليدله على موضع البيت، فمشى معه من الشام، وقيل كشفت له الريح عن أساسه، فبنى عليه، قيل فذلك قوله تعالى
وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت
فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت فكان إبراهيم يبنى وإسماعيل يناوله الحجر، فذلك قوله تعالى
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل
وروى البخارى فى صحيحه عن ابن عباس أن أول ما اتخذت النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقا لتعفى أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل، وهى ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند درجة فوق زمزم من أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هناك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم ولى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل، فقالت يا إبراهيم إلى أين تذهب وتتركنا، فى الوادى الذى ليس فيه أنيس ولا شئ؟ قالت له مرارا وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له أألله أمرك؟ فقال نعم. فقالت إذا لا يضيعنا. ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يريانه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، فرفع يديه فقال
ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع
حتى بلغ
अज्ञात पृष्ठ