لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله
واختاره ابن عطية، قال بعض يخلق فى بعض الأحجار خشية يهبط بها من علو تواضعا، ويأتى كلام فى سبحان إن شاء الله، والأول للقاضى كجار الله، ويجوز عود قوله
من خشية الله
إلى قوله { يتفجر } وقوله { يشقق } وقوله { يهبط } فهو متنازع فيه، ويدل له قول مجاهد ما تردى حجر من رأس جبل ولا تفجر نهر من حجر، ولا خرج ماء منه إلا من خشية الله عز وجل نزل بذلك القرآن. وقال مثله ابن جريج وقوله تعالى { وإن من الحجارة } إلى قوله { من خشية الله } تعليل فى المعنى لقوله { أو أشد قسوة } ومعطوف فى اللفظ على قوله { هى كالحجارة } ومن يزعم أن الواو تكون للتعليل كالفاء قال إنه تعليل فى اللفظ والمعنى، كأنه قيل أو أشد قسوة من الحجارة، لأن الحجارة يتأثر فيها كلام الله وجلاله وتطاوع فيما أريد منها فمنها ما يتفجر منه العيون، ومنها ما يتشقق فيخرج منه الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله، وقلوبكم لا يؤثر فيها ذلك ولا تطاوع فهى لا تلين ولا تخشع. قال الشيخ هود رحمه الله وقتادة عذر الله الحجارة ولم يعذر شقى بنى آدم، يعنى أنه تعالى ذكر عن الحجر الإذعان والامتثال فهو غير مقطوع العذر عند الله لأنه ممتثل.
{ وما الله بغافل عما تعملون } ولكن يؤخركم لوقت يأتى لا محالة، فيجازيكم على ما تعملون من المعاصى المترتبة على قسوة القلوب، أو من قسوة القلوب، لأنها حصلت بأسبابكم وذلك وعيد، قال أبو عمر والدانى قرأ ابن كثير { وما الله بغافل عما يعملون } بالتحتية والباقون بالفوقية، وفى التحتية طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، فإن الخطاب فى قلوبكم لبنى إسرائيل وكذا فى تعلمون فى قراءة الفوقية، ولا يخفى أن فى التحتية انضماما إلى قوله { أن يؤمنوا لكم } وليس فى الفوقية انضمام إلى قوله { أفتطمعون } لأن الخطاب فى تعلمون ليس لهم وليس كما قيل إن نافعا وابن كثير ويعقوب وخلفا وأبا بكر يقرءون بالتحتية، والباقين بالفوقية، قالوا من قسا قلبه على أخيه أو ضاق صدره على أهله أو تغير عن حاله الحسن فليأخذ شقف فخار جديد عمل من طين طيب الرائحة كما طلع من التنور، ويكتب فيه بقلم شجرة الآس قوله تعالى { ثم قست } إلى قوله { عما تعملون } بنية الشخص الذى يريد أن يلين قلبه، بعسل لم تمسه النار، وخل خمر يدبر الكتابة سبع مرات ويرمى به فى القدح الذى يشرب منه المعمول له فإنه يرجع إلى حاله الأول إن شاء الله. وإذا تغير السلطان على الرعية فليكتب فى قرطاسه كما تكتب فى الشقفة باسمه واسم أمه، ويجعل فى أعلى موضع من الجبل، فإن سيرته تصلح بإذن الله، وكذا إذا انقطع عليه البئر أو العين أو قل فاكتبها فى شقف طين وارمه فى البئر يكثر ماؤها بإذن الله، وكذلك إذا قل لبن شاة أو بقرة فاكتبها فى طاسة نحاس وامحها بماء طاهر واسقها منه، فإن اللبن يكثر بحول الله تعالى.
[2.75]
{ أفتطمعون } أيها المؤمنون، فالخطاب للمؤمنين، وقيل لهم وللنبى صلى الله عليه وسلم، وقيل للنى، صلى الله عليه وسلم، خوطب بخطاب الجماعة تعظيما له، صلى الله عليه وسلم، ووجه الأول أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذى كان بينهم، وكانوا يدعونهم إلى الإسلام. والاستفهام إنكار، لأن يقع طمعهم موقعا صحيحا، أى طمعتم فى غير مطمع أو إنكار على طريق النهى، أى لا تطمعوا. { أن يؤمنوا } أى فى أن يؤمنوا. { لكم } أى يصدقكم اليهود، وإنما عداه باللام لتضمنه معنى الخضوع أو الإذعان أو الإقرار، أو اللام للتعليل، أى أن يؤمنوا لأجلكم أى لأجل دعائكم إياهم إلى الإيمان. { وقد كان فريق } طائفة. { منهم } من سلفهم. { يسمعون كلام الله ثم يحرفونه } قال ابن عباس وابن اسحاق هم السبعون الذين اختار موسى، قيل إنهم سمعوا كلام الله كموسى، ولما رجعوا قالوا سمعنا الله. يقول فى آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا بهذه الأشياء، فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، وقيل قالت ذلك طائفة من السبعين لا كلهم، فالباقون أدوا كما سمعوا فتحريفهم هو هذا الكذب، ويحتمل أن يكون الله عز وجل قد قال ذلك تهديدا كقوله { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ، وتحريفهم إيهام الناس أن ذلك إباحة لهم مع أنهم قد علموا أن ذلك تهديد لدليل نصبه لهم الله سبحانه، وتقدم الرد على من قال إنهم سمعوا كلام الله كما سمعه موسى، بأن ذلك يبطل خصوصية موسى بالكلام، وأقول لا يبطله لأن الخطاب إنما هو لموسى لا هم معه، ولو كان بصيغة خطابهم، وإنما خاطبه بما يفعل وما يفعلون، وما يترك وما يتركون، ووجه الكلام إليه وهم يسمعون بإذن الله تعالى، والهاء فى منهم عائدة إلى اليهود مطلق، وقيل المراد بالهاء فى منهم عائدة إلى اليهود الذين فى زمانه صلى الله عليه وسلم، والمراد بالفريق علماؤهم الذين سمعوا التوراة ممن أقرأهم إياها أو سمعوها مما كتبت، فهى عن الله، فإن من قرأ كتابا من كتب الله واكتسبه من الأوراق، فقد سمع كلام الله وعلى هذا فتحريفهم تبديلهم صفة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى التوراة وآية الرجم وجدوه صلى الله عليه وسلم أكحل أعين ربعة أجعد الشعر حسن الوجه. فكتبوا بدل ذلك طويلا أزرق سبط الشعر، وبدلوا الرجم للمحصن بالجلد والتحميم، وهو تسويد الوجه، وكتبوا ذلك وهكذا كتبوا ما يحبون بدل ما لا يحبون، لأنهم استحفظوه فلم يحفظ، وأما القرآن فحفظه الله جل وعلا ولم يكله لغيره، فلم تكن لأحد طاقة على تبديله. أو المراد بتحريفه تحريفه عن معناه، بأن فسروه بما يشتهون، وبهذا الوجه قال ابن عباس وعن الحسن تحريفها إخفاؤهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله جل وعلا
تجعلونها قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا
، وقد يترجح كون المراد بالفريق علمائهم الذين على عهده صلى الله عليه وسلم، بأنه أنسب للمضمر فى قوله { أن يؤمنوا } وطعن بعضهم فى الرواية المذكورة عن ابن عباس أنهم السبعون الذين اختارهم موسى عليه السلام، بأن راويها الكلبى وهذا كذاب، وعلى كل وجه من الأوجه المذكورة، تكون الآية ملوحة بأن لليهود سلف سوء، فهم على سنن سلفهم وباستبعاد إيمانهم، إذ لم يؤمنوا بموسى الذى كان منهم، وكان نجاتهم من القبط والبحر على يده، فكيف يؤمنون لكم؟ وتحريف الشئ إمالته عن حاله. وقرئ يسمعون كلم الله بكسر اللام. أى كلماته. { من بعد ما عقلوه } أى من بعد عهم إياه أى من بعد فهمهم إياه بعقولهم، ولم يبق لهم فيه شك. وما مصدرية. { وهم يعلمون } أنهم كاذبون مبطلون.
[2.76]
अज्ञात पृष्ठ