فإذا هم مبلسون
وعليه فهو لفظ عربى بوزن إفعل لكن تشكل عليه منعه من الصرف، فلعله مشتق من ذلك فى لغة العجمة على أنه وجد فيها تلك المادة بهذا المعنى، فيمنع للعلمية والعجمة. ووزنه ما ذكر، لأنه لا مانع من بيان الزيادة فى اللفظ العجمى المشتق فى العجمة، وذلك متبين فى لغتنا البربرية، اللهم إلا أن يقال إنه عربى منع صرفه لشذوذه وقلته. وزعم الزجاج أن وزنه فعايل وكأنه يراه أعجميا، ولم يظهر له فيه تصرف على لغة العجم فحكم بأصالة حروفه غير المثناة، والمناسب على هذا أن يقول أيضا بأصالة المثناة كالهمزة، وقيل كان اسمه بالسريانية عزازيل كما سماه به أبو نصر فتح النفوشى التملوشائى - رحمه الله - فى اليونية.
وبالعربية الحارث. ولما عصى غير اسمه فسمى إبليس. وغيرت صورته. قيل كان ملكا فغيرت صورته عن صورة الملائكة وأجسامهم، فكأنه على هذا القول ملك منسوخ، ونسب لابن عباس وهو ظاهر ترجيح الطبرى السابق { أبى } امتنع عما أمر به من السجود، فإن الإباء الامتناع باختيار، لا بطبع ولا بإكراه. { واستكبر } بالغ فى الترفع عن أن يفعل فعلا فيه خضوع لآدم، واعتراف بفضله وسعى فى صلاحه وعن أن يتخذ آدم وصلة فى عبادة ربه - عز وجل - فإن التكبر أن يذعن الرجل إلى ما تدعيه نفسه من أنه أكبر من غيره، ويطلق أيضا على ما يقتضيه ذلك الإذعان من فعل أو قول، مثل أن يعرض عن الفقير أو يقول فيه قولا غير حسن فيسمى ذلك الإعراض أو ذلك القول تكبرا، هذا ما ظهر لى وهو إن شاء الله أولى من قول بعض إن التكبر أن يرى الرجل نفسه أكبر من غيره والاستكبار المبالغة فى ذلك الإذعان لتعاطيه التزين بما ليس عنده، ويطلق على المبالغة فيما يقتضيه ذلك الإذعان. وهذا أولى من أن يقال هو طلبه أن يرى نفسه أكبر من غيره بالتزين بما ليس عنده، وقيل الاستكبار الدخول فى الكبرياء، وإن قلت إيهما سبق الاستكبار أم الإباء؟.. قلت أما فى الخارج فالسابق الإباء لما أبى ظهر للملائكة أنه استكبر، وأما فى نفس الأمر فالسابق الاستكبار فإنه لما اعتقده تولد منه الإباء. وقال ابن القاسم صاحب مالك قال مالك بلغنى أن أول معصية كانت الحسد والكبر والشح، حسد إبليس آدم وتكبر وشح آدم فى أكله من شجرة قد نهى عن قربها، وفى إطلاقه الشح على آدم سوء أدب بحسب الظاهر، لكنه - والله أعلم - أراد شح النفس الطبعى. { وكان من الكافرين } فى علم الله بحسب ظاهره مؤمنا شاكرا عند الملائكة، فإباؤه واستكباره نتيجة ما قضى الله عليه من الكفر، أو المعنى صار من الكافرين، أى ظهر كفره، أو دخل فى الكفر بامتناعه عن السجود، واعتقاده أنه خير من آدم، وأن الفاضل لا يسجد للمفضول، ولا يخضع له ولا يتوسل به، واعتقاده أن أمر الله إياه بالسجود لآدم غير صوب، لأنه أفضل. والمراد بالكفر مطلق الفسق المضاد للشكر، فهو شامل للنفاق والشرك، فترك السجود الواجب عليه نفاق، وكذا استكباره. وأما اعتقاده أن أمره بالسجود غير صواب فشرك. ويحتمل أن المراد بالكفر النفاق، وهو ترك السجود، فالكفر فى الآية إما نفاق كما يتبادر من ذكره بعد الإباء والاستكبار.
وإما عام للنفاق والشرك، قلنا فى الآية دليل على أن فسق الموحد، يسمى كفرا، وإن قلت فقد قال الله سبحانه وتعالى
أستكبرت أم كنت من العالين
ومعنى العالين المعاندون مواجهة أو المدعون الربوبية. فأجابه عدو الله بقوله
أنا خير منه
فيكون هذا الجواب إقرارا بأنه من العالين، كأنه عاند وقال أمرك إياى بالسجود له غير صواب. فيناسب أن الكفر هنا شرك. قلت لا نسلم أن المعنى كذلك، بل المعنى أنت مستعل بلا تأهل للعلو أم عال حقيق بالعلو فلا يلزم أن الأنسب تفسير الكفر لشرك، وإبليس مشرك قطعا، إن لم يشرك من الآية أشرك من غيرها، مثل دعائه الثقلين إلى عبادته. وقد اختلف قومنا هل كفره جهل أو عند؟ الصحيح أنه عناد، وتفيد الآية قبح الاستكبار، إذ هو فى نفس نفاق، وقد يفضى بصاحبه إلى الشرك، وتفيد الحث على امتثال الأوامر، وترك الخوض فى سرها، إلا بعد الامتثال وصميم الاعتقاد، أو بعد الاعتقاد الصميم فى كونها صوابا، وترك الخوض فى وساوس النفس. وتفيد أن الأمر للوجوب إذا جرد عما يصرفه عنه، ولولا أنه للوجوب لم يقطع عذره بعد السجود، بعد مجرد قوله اسجدوا. بل حتى يقول اسجدوا، فان السجود واجب عليكم. أو اسجدوا، ومن لم يسجد أغضب، أو أهلكه أو يكفر أو نحو ذلك. وتفيد ان الشقى كافر تحقيقا ولو فى حال عبادته إذ العبرة بالخاتمة، فهو يختم له بالكفر وهذه المسألة عندنا وعند الأشاعرة، وتسمى الموافاة. وتنسب إلى أبى الحسن الأشعرى، وذلك أنه يوافى الشقى الموت ولقاء الله بالكفر. أو تفيد الآية أيضا تقريع اليهود ونحوهم، إذ كفروا بسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - مع علمهم برسالته من التوراة والكتب والأخبار والمعجزات، حسدا له وللعرب بنى إسماعيل واستكبارا، ومع تقدم نعم الله - عز وجل - عليهم وعلى أسلافهم، فاليهود نظروا إبليس، وكذلك كل من استكبر. وعنه صلى الله عليه وسلم
" إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويلتى أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلى النار "
رواه مسلم عن أبى هريرة.
अज्ञात पृष्ठ