ولكنَّ الشَّبابَ إذا تولَّى ... علَى شَرفٍ فمطلبُه شَديدُ
وقال الحارث بن حبيب الأزدي:
ألا هلْ شَبابٌ يُشترَى برغيبِ ... يدُلُّ عليه الحارثَ بنَ حبيبِ
فَمن لِسوادٌ الرَّأسِ بعد بياضِهِ ... ومن لاعتدالِ الظَّهرِ بعدَ دَبيبِ
وقال أبو علي المهراني:
أبعدَ ستِّينَ من عُمري أُؤملُ أن ... أنالَ ما لمْ أنلهُ في ثَلاثينا
مَنْ أخطَأتْهُ الأخاطِي في شَبيبته ... ورَامَهَا لم يَنَلْها في المُسنِّينا
وقال بعض العلماء:
ألا فامهدْ لنفسكَ قبلَ موتٍ ... فإنَّ الشَّيْبَ تَمهيدُ الحِمامِ
وقدْ جدَّ الرَّحيلُ فكنْ مُجِدًّا ... لحطِّ الرَّحلِ في دار المقامِ
وكان هشام بن عبد الملك يتمثَّل:
قد كنتُ أبكي من البيضاءِ أُبصِرُها ... في شعرِ رأسِي فقد أقررتُ بالبَلَقِ
فاليومَ حينَ عَلاني الشَّيْبُ وَدَّعني ... ما كنتُ ألتَذُّ من عيشٍ ومن خُلُقِ
وقال آخر:
قد شابَ رأسُكَ وانْطَوَى ثوبُ الصِّبى ... وأراكَ غِرًّا في البَطالةِ تلعَبُ
قال الشَّبابُ لعلَّنا في شَيبنَا ... نَدَعُ الذّنوبَ فما يقولُ الأشيبُ
أنشدني قاضي سجستان:
غَدَا بُنَيَّ وراحَ قبلي ... يلبسُ ما قدْ خلعتُ عنِّي
فسرَّني ما رأيتُ منهُ ... وسَاءَني ما رأيتُ منِّي
وقال رؤبة:
قالت سُلَيْمَى ... والكبيرُ يصلَعُ
ما رأسُ ذا ... إلاَّ جَبينٌ أجمَعُ
وقال آخر:
في الشَّيْبِ عافيةٌ ما لم يكُنْ صَلَعُ ... فإنَّ ذاكَ وذَا بلوَى إذا اجتمَعَا
لونُ المشيبِ إذا ما شئتَ يستُرُهُ ... لونُ الخِضابِ فماذا يستُرُ الصَّلَعَا
وقال الحسن بن أحمد المهراني الإمام:
تنْعَى إليَّ بُنَيَّتي نَفسِي ... ودَّعْتُ يومَ وِلادِها أُنْسِي
أيقنتُ أنِّي بعدَما بلغتْ ... مُترحِّلٌ عنها إلى رَمْسِي
أنا أمْسُها وبُنيَّتي يَومِي ... فمتى يعودُ ليومِها أمسِي
أنشدني والدي ﵀:
اعلمْ هَداكَ اللهُ يا ابنَ الحارثَهْ
أنَّ العَصَا للشَّيخ رِجلٌ ثالثَهْ
وقال حميد بن ثور:
أرَى بَصَرِي قد رابَني بعدَ صِحَّةٍ ... وحسبُكَ داءً أنْ تَصِحَّ وتسلَمَا
ولن يلبثَ العصرانِ يومٌ وليلةٌ ... إذا قَصَدا أن يُدركا ما تيمَّمَا
وقال آخر:
كانتْ قَنَاتي لا تَلينُ لغامزٍ ... فَالأَنها الإصباحُ والإمساءُ
ودعوتُ ربِّي بالسَّلامةِ جاهِدًا ... لِيُصحني فإذا السَّلامةُ داءُ
وفي نحوه لآخر:
يُريدُ الفَتَى طولَ السَّلامةِ جاهدًا ... فكيفَ يُرَى طولَ السَّلامةِ يفعَلُ
وقال ابن المعتزّ:
صدَّتْ شَريرُ وأزمعتْ هَجْرِي ... وصَفَتْ ضَمائرها إلى الغدرِ
قالتْ كَبِرْتَ وشِبتَ قلتُ لها ... هذا غُبارُ وقائعِ الدَّهرِ
لابن الرُّومي:
يا ابنَ عشرينَ لا تغَرَّنَ بالدَّهرِ ... فقد تُكسَرُ الغصونُ الرِّطابُ
يا مَن استكملَ الثَّلاثينَ ما أسْ ... رعَ ما يُستردُّ منكَ الشَّبابُ
يا أخا الأربعينَ فقد نزَلَ الشَّيْ ... بُ وما بعدَ ذاكَ إلاَّ الذَّهابُ
يا ابنَ خمسينَ عَزِّ نفسكَ بالصَّبْ ... رِ فلا يُرجعُ الشَّبابَ الخضابُ
يا ابنَ ستِّينَ قد توفيتَ عُمْ ... رينِ وما إنْ أقلعتَ عمَّا يُعابُ
يا ابنَ سبعينَ توَّبَتْكَ اللَّيالي ... أفلا تُبْتَ حينَ فيك مَتَابُ
يا مَن استنفَدَ الثَّمانينَ عُمِّرْ ... تَ وماتَ الإخوانُ والأصحابُ
فزيد فيه:
يا ابنَ تسعينَ قد أعلَّكَ جسمٌ ... واهِنٌ أيْره وعقلٌ مُصابُ
ولقلَّ الَّذي يعيشُ فَيحصِي ... عشرَ إلفٍ من عُمْرِهِ الحُسَّابُ
وقال آخر:
ألن تَرَ أنَّ الدَّهرَ يومٌ وليلةٌ ... يَحُولانِ من سبْتٍ عليك إلى سَبْتِ
فقُلْ لجديدِ العُمْرِ لا بدَّ من بِلًى ... وقلْ لاجتماعِ الشَّملِ لا بدَّ من شَتِّ
وقال آخر:
بانَ الشَّبابُ فودِّعاهُ حَميدا ... هل ما تَرَى خَلَقًا يَعودُ جَديدَا
وقال آخر:
1 / 5