قالت ليزي: «بالفعل. وكذلك مع أي شخص يسيطر على ألف.»
سألتها ديانا: «منذ متى وأنت هنا؟»
قالت ليزي: «منذ أن أحكموا إغلاق المكان بحيث يمكنك التنفس. من البداية.» ثم أشارت إلى الجهة المقابلة من الميدان وقالت: «سيعزفون بعض الموسيقى. لنلق نظرة.»
تحت رذاذ من الضوء المنبعث من سارية عند حافة الميدان، جلست امرأة شابة عند طاقم عازفي الطبول. كانت ترتدي كنزة مصبوغة تتناثر عليها خيوط باللونين الأرجواني والأزرق السماوي، وكان شعرها منتصبا على شكل شوكة ارتفاعها ست بوصات. وضعت صندوق إيقاع فوق حامل معدني، وفتحت لوحة التحكم الخاصة به، ونقرت على لوحته بضع نقرات تمهيدية. وقف رجلان إلى جوار عازفة الإيقاع. كان أحدهما شخصا عادي المظهر يرتدي بنطالا من الجينز القطني وتي-شيرتا، وكان معه العصا المعتادة تتدلى من حزام أسود، وكانت أجهزة تحكم وترية وإلكترونية طويلة موضوعة داخل جزء ناتئ في الطرف الخلفي. أما الآخر فكان يبلغ طوله ست أقدام ونصف القدم، وكان شديد النحول حتى لتخال أنه يتمايل، وكانت بشرته أبنوسية تقريبا وبدا رأسه الحليق تماما مستطيل الشكل على نحو مثالي. كان يرتدي قميصا أسود ذا كمين طويلين أزراره معقودة حتى العنق، وبنطالا أسود. وفي يده الضخمة كان ثمة بوق ذهبي يبدو ضئيل الحجم بالمقارنة.
نقرت عازفة الإيقاع على مفاتيحها، وتدفق صوت دقات مختلطة بطيئة، وصدر صوت ميكانيكي يتحدث بالعبارة التالية على خلفية ضربات الإيقاع: «بام! راتا بام! بام! راتا بام!» انضم العازف الوتري إلى عازفة الإيقاع مصدرا نغماته؛ الصوت الجهير العابر، ونغمات البيانو المتقطعة، البطيئة والموجزة. أما عازف البوق فوقف مغمضا عينيه، كما لو كان يفكر. وبعد عدة نغمات جماعية بدأ العزف.
بدأ ببعض نغمات الساكسفون الحادة، وتحول إلى البوق ثم إلى الساكسفون مجددا، وكان يعزف على كليهما في تناغم، بحيث يتنقل بين الاثنين ويضرب على الجيتار الكهربائي أمام نغمات البوق. انبعثت أصوات متصاعدة بين النغمات، ولم يستطع جونزاليس أن يتبين من منهم كان يصدرها. كانت يدا عازفة الإيقاع على لوحتها، وقدماها تضربان عددا من ألواح الركل أسفلها، وتسارع إيقاع الأغنية، وصارت إيقاعاتها متعددة، أفريقية.
وقفت المرأة وأخذت ترقص؛ إذ صار جسدها الآن هو آلتها الموسيقية؛ حيث إن قدميها ويديها وجذعها جميعها متصل بأجهزة الإيقاع، وأخذت تطوف بين الجمهور، وحركتها تزداد في الحدة والسرعة. صارت نغمات الأغنية متنافرة، شمال أفريقية وآسيوية في الوقت ذاته، وأخذ العازف الوتري وعازف البوق يتنقلان بين المزامير والأجراس والأبواق، وصارت أصوات الغناء الشبحية خنفاء، وأخذت الراقصة عازفة الإيقاع تصدر أصوات قرقعة فجة وأصواتا جوفاء وأصوات أزيز، علاوة على صوت ألف طبلة.
أخذ الجمهور يصفق ويصفر ويهتف، باستثناء المجموعة الآتية من جمعية الاتصال؛ إذ أخذت تهتف بصوت واحد قائلة: «هووت.» مكررة هتافها بصوت مرتفع. كانت ليزي تبتسم، بينما جلست ديانا في حالة نشوة، محدثة في الفضاء، وانتابت جونزاليس رجفة باردة قائلة في نفسها: «كان هذا ما تراه حين كانت عمياء.»
واصل أفراد الجمعية هتافهم، وشكلت المجموعة كلها حلقة متصلة، بحيث كان كل شخص يدع يديه على خصر الشخص الذي أمامه. اندفعوا إلى الأمام إلى أن اكتملت الدائرة، ثم أحاطوا بالعازفة، والخط كله لا يزال يتحرك، وأغلبهم لا يزال يصدر صيحات الهتاف. تمايلوا إلى الأمام والخلف، واليمين واليسار، بينما اندفع الخط إلى الأمام، وواصلت العازفة رقصتها الصوفية.
وحين امتلأ الليل بكل الأصوات، كسرت العازفة ذلك الخط، ثم اختتمت أغنيتها بسلسلة من اللفات والشقلبات إلى أن صارت بجوار العازفين الآخرين، وهناك وقفت على قدميها ورفعت ذراعيها عاليا مع صوت النغمات الأوركسترالية، ثم إلى الأسفل كي تقطع الصوت، لأعلى ولأسفل، مرارا وتكرارا، إلى نهاية الأغنية.
अज्ञात पृष्ठ