हल्लाज
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
शैलियों
ومع هذا فقد اختلفوا وتمزقوا، وأعرضوا عن رسالتهم الخلقية، وعباداتهم الربانية.
وأخذت هذه الخواطر تراود الحلاج، فتؤرق جفونه، وتوقظ أحاسيسه، وتحرك قواه، فأخذ يلقي بنفسه في تيار الحياة، ويتصل بالجماهير، ويوثق صلاته بطوائف من الجند والقادة والأمراء والزعماء، اتصالا، لم يرض عنه المتزمتون من شيوخ التصوف، ولم ترض عنه الخلافة، ولم ترض عنه القوى المختلفة التي تحرك بغداد، وتحكم العراق، وتهيمن بالتالي على العالم الإسلامي.
مجاهداته الروحية
ولكن هذه الصورة التي تمثل لنا الحلاج في إهاب رجل الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي، لم تكن كل حياة الحلاج، ولا كل جهاده، ولا يمكن لهذه الصورة أن تمثله تمثيلا كاملا.
فالحلاج كان يتقلب في حياتين، ويعمل في حقلين، وكان يملك القدرة على المزج بينهما، كما يملك الطاقة على النهوض بهما معا.
كان الحلاج خلال معركته الإصلاحية، ودعوته الشعبية، يسلك طريقه الصوفي، ويسلكه في عنف وقوة.
لقد انفصم ما بينه وبين شيوخه في الطريق الصوفي، فلم يتم تدريبه، ولم يكتمل إعداده، ولم تمهد له الأيدي المدربة المبصرة، أيدي المربين الروحانيين طريق الكمال الروحي.
والطريق الصوفي كما يقول المتصوفة ، طريق وعر شائك، تمتزج فيه البروق الخادعة، بالأنوار الهادية، والخواطر المضللة بالإلهامات المشرقة وفيه الاستدراج الخفي، والامتحان الرباني، وفيه العوائق النفسية، والتيه القلبي، والخداع الذوقي؛ ولهذا اشترط الصوفية جميعا واتفقوا على أن الشيخ ضرورة في الطريق لا غنى عنه للسالك المريد، إنه كالطبيب للمريض، يعرف المزاج والمرض والدواء، كالمهندس للبناء، إنه النور الذي يرشد، والمربي الذي يوجه، والدليل المبصر الذي يفرق ويميز بين الخواطر والإلهامات، ويملك القدرة على اختصار الطريق، كما يملك التجربة الواعية التي ترسم لكل سالك ومريد ما يلائمه، وما يتفق مع ذوقه واستعداده وطبيعته.
والشرط الأول في الطريق أن يستسلم المريد لشيخه استسلاما كاملا، بلا اعتراض أو توقف، وهي دكتاتورية لا تتفق مع طبيعة الحلاج الثائرة، فتمرد عليها واختصم بشأنها مع شيخه عمر المكي، وتجادل فيها مع شيخه الجنيد، ولم يرض الشيوخ عن هذه الروح الثائرة!
واستقل الحلاج بنفسه، وأخذ يسلك الطريق وحده، وأخذ يجاهد نفسه ويدربها ويكلفها أشق ما في التصوف من تكاليف، ويفرض عليها أقسى ما في المنهج الروحي من وسائل التجرد والزهد والعبادة والرياضة.
अज्ञात पृष्ठ